شريف عارف يكتب: "تيك أواي" ..ضياع الهوية!

الكاتب الصحفي ـ شريف عارف
الكاتب الصحفي ـ شريف عارف

في ثمانينات القرن الماضي، كانت الهجمة الأمريكية الكبرى لأسلوب الحياة في عالمنا العربي، والتي عرفت بـ"التيك أواي"!

أدرك الأمريكان أن المدخل الحقيقي إلى العرب هو معدتهم، وشهوة حب الطعام التي هي كل حياتهم، وفي مصر أصبح " تيك أواي" هو سمة كل شيء، فبدلاً من الترجمة الحرفية للمصطلح في أن يكون تناول الطعام خارج المطعم، أصبحت السمة هي تناول الطعام خارج البيت!

الأبناء – ونحن من بينهم - هم الذين قادوا التمرد على "تقاليع" الماضي بكل ما فيها، على الأكلات التي حكمت وسيطرت لقرون طويلة، واشتهر بها المصريون، في ضربة قوية للهوية الوطنية!

كلنا اتجهنا إلى هذا النمط من الاستهلاك ولم نكن ندري أنه فعلاً يمثل ضرباً للهوية الوطنية، تهديداً لشعب صنع هذه الهوية منذ آلاف السنين، صاحبتها مهن نشأت عليها وتوارثتها أجيال وأجيال عبر قرون طويلة، حتى صناعة المقبلات وفواتح الشهية التي كانت سمة رئيسية للأحياء الشعبية التي تمثل قلاع الوطنية المصرية، تم استبدالها بأهم منتج غزا به الأمريكان العالم وهو "الكاتشب"، ذلك النوع الساحر من أنواع الصلصات المصنوعة من الطماطم الطازجة.

الطريف في الموضوع أن كلمة "كاتشب" هي في الأصل كلمة ماليزية، وأول من صنع هذا النوع من " الصلصات" هم أهل ماليزيا المسلمون، ودخل هذا النوع بريطانيا في القرن السابع عشر، وانتقل بالتبعية مع المهاجرين إلى أمريكا!

هنا لعب المسوق الأمريكي لعبته الكبرى منذ بداية الثمانينيات، في تطوير هذا المنتج ليصبح منتجا عالميا ينسب للأمريكان، بينما هو في الأصل خليط من تراث الشعوب العربية والمسلمة في جنوب شرق آسيا، مع بعض النكهات الهندية. هي "الصلصة" التي يقدمها بائع "الكشري" في الأحياء الشعبية، منها البارد والحار، ولكنها وضعت منتجا يضمن لها الاستمرارية ونوعية التعبئة المتميزة، مع روعة العبوة وشكلها المميز!

ورغم براعة المسوق الأمريكي في التسويق لمنتج وأسلوب حياة، إلا أن انبهارنا بما هو قادم جعلنا لا ندرك قواعد اللعبة التي هي في الأصل "لعبة سياسية" هدفها الواضح هو التسويق لمنتجات، بينما هدفها المستتر هو تسويق "نمط حياة "، ينهي دور الأسرة ويخرج البيت من المعادلة، حتى لوكنا نجلس بداخله، يتقلص دور الأم، وتفضل هي الأخرى "الوجبات السريعة"!

بعيداً عن الوجبات وتسويق المنتجات، انتقل "تيك أواي" من المطاعم إلى حياتنا كلها، فأصبح يحتل كل شيء، وتدريجياً أصبح سمة اقترنت بعصر السرعة وما فيه من أدوات.

"تيك أواي" هو الذي جعلنا نقبل على وجبات ترفيهية غير تقليدية، تحول الناس إلى منافسة حقيقية في نشر ومشاركة الأخبار دون التأكد من صحتها، الكل دخل في منافسات محمومة للبحث عن جديد.. المهم هو شغل الرأي العام.

هذا النمط في الحياة، دفعنا جميعاً إلى تقبل "ثقافة الكافيهات"، وهو المجتمع الآخر البديل عن البيت بكل تفاصيله. ربما تندهش من هذه الراحة والجلوس لمراهقين داخل الكافيهات، وكأنهم في بيوتهم، الحديث في كل شيء وأي شيء، تقبل أي نوع من الهزار إلى أكثر أنواع السخافات المتدنية.

يوماً بعد يوم، أصبحنا جميعاً نعيش في "تيك أواي" كبير، من العلاقات الأسرية أو العمل، والتي انعكست بالطبع إلى تصرفات كلها تتسم بالسرعة في كل شيء، والردود والأفعال سابقة التجهيز.

في حياة كل منا جروبات ما بين أصلية وافتراضية، فبقدر ما حققت وسائل التواصل الاجتماعي من تقارب بين الناس، إلا أنها ـ أيضاً- كانت سبباً في ابتعاد أوجدته الظروف ومشاغل الحياة.

ويبقى السؤال دوما.. كيف نخرج من هذا الـ"تيك أواي" الذي كان سبباً في ضياع جزء كبير من هويتنا؟!

مجرد سؤال.. والإجابة لديكم..

[email protected]

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً