اعلان

محمد سويد يكتب.. لئن لم ينته المرجفون

محمد سويد
محمد سويد
كتب : أهل مصر

بإقرار الجميع.. يعيش المجتمع حالة من السيولة الافتراضية، في تداول الأخبار والمعلومات على شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي، يختلط فيها الغث بالثمين، والمغُرض بالبرئ، على نحو يعكر السلم الاجتماعي -وإن حسُنت النوايا- فهنا لا يشترط أن تكون فاعلاً أو محرضاً، لتصبح شريكاً في جريمة التضليل، يكفيك أن تكون مستخدماً من الكتائب الإلكترونية التي تحركها أجهزة مخابرات عالمية، أو جماعات وتنظيمات إرهابية، أو حتى دوافع شخصية شريرة، فهم يستوون .

حقاً.. لم نعُد ندرك إلى حد بعيد عواقب ما نفعله، وما يُفعَل بنا في هذا العالم الافتراضي الفسيح، ننقل أو نذيع "شير أو تويت"،شائعات وأخباراً كاذبة ولا نكترث، نكذب ولا نهتم، نرمي المحصنات ولا تردعنا الآيات، نغتال البراءة التي هي أصل الأشياء، نصدر أحكاماً شعبوية بالإعدام، لا عدل فيها ولا إنصاف، نهدم رموز المجتمع، إن لم نكن متعمدين، فظننا أننا نمارس طقوس الحرية، بينما نحن نصطف على شواطئ العراة، نقف في صفوف الأعداء دون أن ندري مواقعنا، مغيبين الوعي والهوية .

ما يبعث على الحزن، أن الفتنة لم تعد نائمة، حتى يلعن الله من أيقظها، فبيننا تعيش، وعلى وسائدنا تنام، نتعرى أمامها دون أن نخجل، تصحبنا حتى إلى بيوت الراحة، هذا المارد -الهاتف المحمول- الذي لا يتجاوز حجمه كف اليد، بتطبيقاته الذكية، ينفذ لأدق تفاصيل حياتنا، ذلك العابث بالشعور واللاشعور، الغازي بلا جيوش، اللص الذي يسرقنا من أنفسنا حتى نقع أسراه، أما آن الأوان لنتعامل معه بقليل من الوعي وكثير من الحرص؟

حاشاني أن أصادر على حرية النقد أو التعبير، أو أن أدعو لنُحرَم من نعمة الانفتاح والتنوير، إنما يشغلنى ذلك الخيط الرفيع، الفاصل بين الحقيقة والكذب، بين الشائعة والخبر، هو ذاته سر وصف الصحافة بمهنة البحث عن المتاعب، نطالع عشرات الكتب والمراجع بحثاً عن معلومة، وتمضي أعمارنا خلسة في بلاط صاحبة الجلالة، لنبني أجندة مصادرنا الموثوقة، فكيف لهذا التراكم المعرفي أن يتم تجاوزه على صفحات التواصل الاجتماعي، دون أن ندري عواقبه، وكيف لنا أن نتعامل مع الشأن العام على نهج الاستباحة، في نقل الشائعات التي تعكر صفو الآخرين، وتهدم مجتمعات بأكملها دون أن يستيقظ بداخلنا ذلك الرادع الذاتي، ولو بدافع تقديم درء الشبهات على جلب المنافع والليكات.

ولما كانت المادة الثانية في الدستور المصري تنص على أن: «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع"، فلا حرج أن نعرج بالأمر إلي صاحبه، من فوق سبع سماوات أنزل الله قرآن يُتلَى إلى يوم الدين تناول هذه القضية الأخطر على مجتمعنا، حين أقسم جل وعلى في صدر سورة القلم، "ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ"، ولم يسلم من وعيده في الدنيا والآخرة، مروجو الشائعات والأباطيل، حيث قال تعالى في سورة الأحزاب: "لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً {60} مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً {61}"

والمرجفون في المدينة -بإجماع المفسرين- هم الذين يُولِّدون الأخبار الكاذبة التي يكون معها اضطراب الناس بقصد إحداث البلبلة، وخلخلة الأمن، ونشر أخبار السوء، فيا لحقارتها من منزلة تلك التي وُضِعوا فيها إلى جوار المنافقين، والذين في قلوبهم مرض، ويا له من إثم ذلك الذي أقسم الله بقوله "لنغرينك بهم"، أي لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل - تفسير الطبرى - ثم يأتى قوله تعالى : "ثم لا يجاورونك فيها" أي في المدينة، ويقول محمد بن يزيد: قد أغراه بهم في الآية التي تلي هذه مع اتصال الكلام بقوله تعالى " أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً"، أي أن هذا حكم المصريين على النفاق والإرجاف، أعاذنا الله وإياكم أن نكون منهم.

قطعاً.. يقع الدور الأكبر على عاتق الحكومة في الشفافية، وإتاحة تداول المعلومات على نحو يتجاوز سرعة نشر الشائعات، على الفضاء الإلكتروني، والتعامل الإعلامي بعقلية ذكية، تتجاوز حالة الانفجار المعرفي والانفتاح الذي نعيشه، ولقد لمسنا حفاوة غير مسبوقة من الدكتور مصطفى مدبولي -رئيس مجلس الوزراء- بالفائزين المصريين بجوائز الصحافة العربية؛ صحفيين ومؤسسات، تبعث على التفاؤل بدعم وتمكين صناع الصحافة والإعلام، حراس قضية بناء الوعي الحقيقيين، في عصر لم يعد يجِد فيه حارس البوابة والرقيب نفعاً، ولا تشكل النصوص القرآنية والقانونية وحدها رادعاً للمرجفين، محترفي ترويج الشائعات والأخبار الكاذبة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً