محمد سويد يكتب: على يسار النظام

محمد سويد
محمد سويد

لم تمر الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير، دون أن تترك في نفوس كل منا أثراً، فقد عاصرنا أحداثاً جسام، تستـحق أن تُروَى لأجيال قادمة، ننعى فيها براءة الأحلام التي اندفعت نحو الميدان- لا يضر نقائها من تآمر ومن خان- ، لم نقرأ قبل أن نندفع، ولو قرأنا، لأخبرنا نجيب محفوظ قبل مائة عام، أن الثورات يخطط لها الدهاة، وينفذها الشجعان، ويجنى ثمارها الجبناء.

في شارع قصر العينى، على مقربة من ميدان التحرير، عشنا مخاض الثورة، كان الحوار مشتعلاً، رافضا للمنطق، مفعماً بحماس الثورة، وهتافاتها الرنانة "عيش- حرية- عدالة اجتماعية" ، وقتها كنت، وأبناء جيلي محظوظين بالعمل إلى جوار الراحل الكبير، عبد الله كمال، رئيس تحرير روز اليوسف، ومدير مكتب الرأي العام الكويتية في القاهرة، الذي شهد لقلمه، أصدقاؤه وأعداؤه.

بينما قفز كثيرون من مركب السلطة، وتنكروا لكل شئ، حتى لأفكارهم !

أدهشنا بثباته، رغم أن الخطر كان محدّقاً به دون غيره، فلم يؤمن بتلقائية ما يحدث في ميدان التحرير، واقتحام أقسام الشرطة ومؤسساتها، وصفها تارةً بالانتفاضة، وتارةً بالفعل الثوري، الذي لم يرق إلى الثورة، رضي بأن يدفع الثمن إقصائه عن موقعه، وظل متمترساً خلف ما يعتقد.

أما نحن، فقد كنا على شفا خُطَى من الانهيار، لم تصقلنا بعد تجارب الحياة وعثراتها، فالجريدة اليومية التي تحققت بصدورها، أحلام جيل الصحفيين، في دخول بلاط صاحبة الجلالة من باب الكبار، متهمة بتبني مشروع التوريث، منذ صدورها في نهاية 2005، ناهيك عن استهداف الجماعة لشخصه وقلمه، الذي طالما فضح أفكارهم المتطرفة واتجارهم بالدين.

سألناه في مجلس التحرير، وكنت حينئذ رئيساً للأخبار: هل ستُغلَق صحيفتنا لأننا كنا مع النظام؟ فرَدّ بثبات الواثق من قدرته على الإبداع في أي مكان وزمان: "ألم نكن على يمين النظام؟" قلنا: نعم، فقال: "وماذا يُقلقكم لو أصبحنا على يسار النظام؟ سنظل نحتفظ بأقلامنا، ونقدم صحافة ونقداً موضوعياً، لمن يعتلي سده الحكم.." واستدرك قائلاً: "إلا إذا كنتم لا تثقون في قدرتكم على ذلك، فهذه مشكلتكم".

قالها ورحل، رحل مرتين؛ الأولى إلى مشروعه الجديد -على يسار النظام- ، فلم يكن مثله يعرف الهدوء أو الراحة؛ فأسس دوت مصر، وكانت نواة لحلم وجيل لم تكتمل، دعاه خصمه اللدود، صلاح دياب، مالك المصري اليوم، ليكتب مقالاً ثابتاً، تحت اسم مستعار، فالتفَّت كل فئات المجمتع وشبابه، حول أفكاره الجريئة، ونقده البنّاء دون أن يعرفوا أنه كاتب نيوتن.

وفي المرة الثانية، لم يمهله القدر، حيث رحل إلى جوار ربه، وظلت نبوءاته تخبرنا عنه، فعندما سُئل في 13 ديسمبر عام 2013، عن هوية الرئيس القادم، قال إن "فوضى الإخوان من مظاهرات، وتفجيرات في الفترة المقبلة، ستكون عامل الحسم في اختيار الرئيس المُقبِل، حيث ستكون الأولوية لرجل الشارع، وتحقيق الأمن، ولن يتمكن من تحقيق ذلك سوى رجل دولة بخلفية عسكرية".

توقع أن يفجر السلفيون مفاجأة الفترة المقبلة، حيث سيمد التيار السلفي، جسور الثقة بينه وبين السلطة، مؤكدا أنهم لن يتولوا أي منصب رسمي، ولن يشاركوا في الحكومة، وسيكون حزب النور ممثلًا للإسلام المعتدل، وحول مصير جماعة الإخوان، قال إن: "الجماعة ستنتهي تماماً في مصر، ولكنها ستبقى خارجها، مع استمرار ارتكابها، بما وصفه «حماقات دموية».

مرت الأيام وانقضت عشر سنوات من العواصف، علمتنا أن من يملك الفكر لا يخشى إرهاب الخصوم.

WhatsApp
Telegram