محمد سويد يكتب: الجزيرة العذراء!

محمد سويد
محمد سويد

دون مقدمات، اثنتان وثلاثون ثانية، أعلن فيها عمر سليمان، نائب الرئيس، تنحي مبارك عن الحكم، في 11 فبراير2011 ، كانت كفيلة بمحو ثلاثين عاماً من المدح والإطراء، وتحولت منابر الصحافة والإعلام-حتى الناطقة باسم الدولة- إلى بكائيات تشتكي مر الاضطهاد، وتلعن عصر الفساد.

كلها مفردات سيناريو لمشهد سينمائي ليلي يتكرر في كل الأحداث، أبطاله من قادة الرأي، و نجوم الفضائيات، يخاطبوننا تارة بدعوى إعلام الحرب، وتارة أخرى بحرب الإعلام، حيرونا على طريقة العربات المتصادمة التي يقودها الأطفال في الملاهي، دون مراعاة لقواعد السير واتجاهات الرأي العام، تشكل ثوابته وقناعاته.

هكذا وقع إعلامنا - المتقلب الهوى- في فخ التبشير، بالمصالحة وبمراجعة قناة الجزيرة لسياساتها الإعلامية العدائية لمصر، باندفاعهم كسروا كل قواعد السير، كِدنا أن نصدق أنها الجزيرة العذراء، بعد أن أمضوا سنوات، يحدثوننا عن مشروعها الصهيوني، وسمومها المدسوسة، في أخبار الصباح والمساء، وبواعثها على الفتنة والدم وقلب نظام الحكم، صدقهم الرأي العام وقاطع الجزيرة، فخذلوه!

وسكتوا فجأة عن خطاياها، التي وصفها مسؤولونا ب"إفيهات" لا يجب أن نلتفت إليها، فهرب الرأي العام من تناقضهم، إلى إعلامٍ بديل على صفحات السوشال ميديا، وتصدر تويتر، هاشتاج #أكاذيب_الجزيرة_مستمرة.

صحيح أن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، وقع بيان قمة العلا بالمصالحة، حتى لا تتخلف مصر عن إجماع دول التحالف العربي، فُتِح المجال الجوي، وعادت العلاقات الدبلوماسية، وتظل كلها إرهاصات إيجابية، لا تنم عن استقامة، لا تعدو كونها توقيع بحسن النوايا لم يختبر، سبق وأن خطه الرئيس الراحل أنور السادات مع إسرائيل، في معاهدة كامب ديفيد دون أن يخطأ الرأي العام، تقدير الموقف أو يقبل بالتسامح مع جرائم إسرائيل، في حق بلادنا ودماء جنودنا.

بالأمس، قادني فضول الباحث إلى قناة الجزيرة مباشر، التى قِيل عنها قبل أيام أنها تطهرت، وبدأت في بث تقارير عن نجاحات مصر الاقتصادية، فقرة واحدة حوت بذاءات تنضح بالعداء بدءاً من ترديد مصطلحات الانقلاب والقتلة ووصف الرئيس بدكتاتور ترامب، مروراً باستضافة الصحفي وائل قنديل، المقيم بقطر والمعروف بعدائه للنظام، وآخرين هاربين إلى تركيا، والولايات المتحدة الأمريكية، من أعضاء التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية، للتعليق على الأحداث في مصر. وبالطبع هذا غيض من فيض، لا يتسع السطور لسرده، كأن شيئاً لم يكن.

أعترف أننا في أهل مصر غردنا خارج السرب، وصدر العدد 193 من صحيفتنا بعد المصالحة بمانشيت "لا مصالحة في الدم.. وإن عدتم عُدنا"، وطرحنا تساؤلات مفادهها، هل ستتخلى قطر عن دعم الإرهاب؟ وهل ستكف الجزيرة عن التحريض على قلب نظام الحكم؟

وفي صالون أهل مصر السياسي، أجزم وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي أن قطر لن تسطيع أن تتحلل من ارتباطاتها بالتنظيم الدولي للجماعة الإرهابية.. فلماذا غابت هذه الرؤية ؟

ماذا سيفعل إعلامنا إذن؟

هل سنعود لنهاجمهم؟ أم ستمحو لحظات المصالحة، سنوات الفتنة والدم، حتماً سنفعل شيئ يناقض مواقفنا وثوابتنا، ونراهن على ذاكرة السمك التي تهدم مصداقية خطابنا الإعلامي، شيئا فشيئا أمام الرأي العام، الغيور على وطنه.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً