قيل عن السيد عمرو موسى الكثير كسياسي ودبلوماسي، غير أن في شخصية الرجل ما يستحق الالتفات بعيدًا عن ذلك الميدان؛ فهو على غير عادة قرنائه من الساسة والزعماء يمتلك ناصية لغته العربية على نحو متفرد.
ففضلاً عن حرصه على ضبط كلماته التى كان يلقيها فى المناسبات المختلفة صرفًا ونحوًا، وكذلك حرصه على ضبط مخارج الحروف، خاصة الأسنانية منها (الثاء والظاء والذال)؛ فضلًا عن ذلك ـ وهو أمر يحمد له فى مجال يندر فيه هذا الحرص ـ فإن موسى يمتلك حسًا أدبيًا راقيًا وملحوظًا فى صياغته لكلماته وخطبه إلى الحد الذى تخرج فيه بعض هذه الكلمات قطعًا أدبية مكتملة، وذلك كالخطاب الذى ألقاه عمرو موسى أمام معرض فرانكفورت الدولى للكتاب حين كانت الثقافة العربية ضيف شرف له عام 2004 فقد كان خطابًا ذا لغة أدبية رصينة ( أرجو أن يعاد نشره أو إذاعته) ضمّنه صاحبه نصوصًا من التوراة والإنجيل والقرآن، فيما يعرف فى البلاغة الحديثة باسم "التناص"، فى سياق حديثه عن تلاقى الحضارات لا خصامها.
على أن توظيف الموروث الأدبى لايتجلى فقط فى خطاب يحتم سياقه على موسى أن يظهر فى صورة أدبية كالخطاب المشار إليه، بل يتجلى كذلك فى سياقات أخرى تبدو فى ظاهرها بعيدة عن ذلك، كالخطب السياسية مثلًا. فما حاجة موسى فى افتتاح قمة عربية أن يعبر عن الواقع العربى الممزق الذى بات لا يحتمل المزيد، بما قاله المتنبى تعبيرًا عن حاله مع الدهر:
رمانى الدهر بالأرْزاء حتى فؤادى فى غشاءٍ من نبـــــال
فصرت إذا أصابتنى سهام تكسرت النّصال على النصال
إن الحس اللغوى النابه عند موسى هو الذى جعله يتوقف عند كلمة "الغزل" فى سؤال لأحد الصحفيين عن أن الأزمة الدبلوماسية بين سوريا والسعودية عام 2007 أزمة مغلفة بنوع من الغزل السياسى، وكان الكلام دائراً قبلها فى المؤتمر الصحفى نفسه عن رغبة الدول التى قاطعت القمة العربية فى "عزل" سوريا، فإذا بموسى يتوقف عند الجناس الناقص بين "الغزل" و"العزل" قائلاً: إن بين اللفظين كما أن بين المعنيين صلةً قريبة تتحقق على المستوى السياسى كما تحققت على المستوى اللغوى.
كما أن هذا الحس هو الذى جعله يصحح لإحدى الصحفيات سؤالاً وجهته إليه، وكان وجه الطرافة أن مواضع تصحيح موسى للسؤال كانت كلها لغوية وإعرابية، وكان يكفيه اختصاراً لوقته أن يجيب على مضمون سؤالها.