د. خالد عاشور يكتب: يا لها من مهنة سهلة

خالد عاشور
خالد عاشور

لأي مهنة في دنيا الناس ما يسمى بـ"تقاليد" هذه المهنة، وهي نوع من المبادئ والأصول والأسس التي يستلزم معرفتها والإلمام بها لكل من يسلك هذه المهنة أو يحاول امتهانها. وهي أسس وتقاليد اكتسبت الثبات والاستقرار على نحو تراكمي على امتداد عمر هذه المهنة وعمر أربابها

يستوي في ذلك المهن الحرفية والعلوم التطبيقية والإنسانية. فـ"النَّجار" المبتدئ مثلًا يستهدي بما أرساه أرباب مهنة النّجارة على امتداد تاريخها من مسائلها الفنية ومشاكلها وحلولها... الخ، و"الشاعر" في بداية طريقه عليه أن يقرأ ما سبقه من تجارب شعرية ثم يختزنها ويبدأ هو في إنتاجه الخاص به.

هل تراني أطلت في هذه المقدمة؟ نعم. ولكن لأبين مدى فداحة ما أصاب مهنتنا من اجتراء الدخلاء عليها استسهالًا، ولسان حالهم يقول: يالها من مهنة سهلة!!

ولا أقصد بالدخلاء مَنْ هم خارج مجال العمل الإعلامي فقط، بل إن الدخلاء على هذه المهنة من داخلها أكثر ممن هم من خارجها.

وكأن مهنة التقديم الإذاعي والتليفزيوني مهنة لقيطة لا أب لها، ولا تقاليد مستقرة لها ولا أسس نظرية عندها، تحويها مؤلفات أساتذة الإعلام وأعلامه في معاهده وكلياته داخل مصر وخارجها

"فيا أيها الطباخ ويا أيتها الراقصة ويا أيها الطبيب ويا رجل الدين ويا لاعب الكرة: جهز بدلتك ورابطة عنقك الأنيقة، وتعالَ إلى الاستوديو، واجلس، وعندما ترى الضوء الأحمر يضئ أعلى الكاميرا التي أمامك، تكلم وتكلم وتكلم، والمُخرج عبْر سمَّاعة الأذن سيتكفل بالباقي".

هناك قنوات بكاملها تقوم على هذه المعادلة المختلة، أما المذيعون غير المؤهلين محترفو الدخول من الأبواب الخلفية فأمرهم أكثر فداحة، فهو قد تَجاوز المعادلة المختلة ( البدلة والكرافتة والريد لايت) ، ليدخل في مرحلة أعظم اختلالًا من الكلام والكلام والكلام غير المحسوب، لذا لم يكن من المستغرب أن تجد "المذيع" الذي يخوض في جانب فئة من المجتمع كأبناء وبنات الصعيد ليقدح في كرامتهم بتعميم مُخلّ، و"المذيعة" التي تخوض في جانب شعب عربي كريم لتقول إن اقتصاده قائم على الدعارة، دون دليل أو أرقام أو مصادر، أو سياق يفرض كلامًا ساقطًا مثل هذا، و"الصحفي" الذي يحرض على القتل، و"رجل الدين" الذي يهذي على الهواء. والأمثلة كثيرة، والرائحة كريهة تزكم الأنوف، والضحية هو الجمهور الذي يتشكل وعيه من هذا الإعلام الفج.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً