إن من أبرز ما استجد في هذا العصر التطور المتسارع الذي يشهده العالم في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الذي أدى التفاعل بينهما إلى ظهور شبكة المعلومات الدولية، أتاحا الاتصال على شكل تبادل المعلومات الرقمية في إطار بروتوكول موحد بين الأجهزة الالكترونية والشبكات الموجودة في جميع أنحاء العالم، والتي ألقت بظلالها على معظم ميادين الحياة، حتى أتاحت للمتعاملين بها إمكانات كثيرة ومتعددة عبر تطبيقات أثرت تأثيرًا بالغًا في معظم أوجه النشاط الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي والعلمي، وذلك دون حاجة للتنقل والحضور المادي، مما جعل طريقة التعامل سهلة وتتم بأقل وقت وجهد.
عند تفشى جائحة كورونا قامت كثير من الدول بتحويل التعاملات الحكومية إلى التعامل الإلكتروني لتخفيف التكدس داخل المصالح الحكومية كإجراء احترازي لمواجهة فيروس كورونا والتوجه إلى استخدام التعامل الإلكتروني في التقاضي المصري.
وعرف البعض التقاضي الإلكتروني بأنه عملية نقل مستندات التقاضي إلكترونيًا إلى المحكمة عبر البريد الإلكتروني، حيث يتم فحص هذه المستندات بواسطة الموظف المختص وإصدار قرار بشأنها بالقبول أو الرفض وإرسال إشعار إلى المتقاضي يفيده علمًا بما تم بشأن هذه المستندات.
كما عرفه جانب آخر من الفقه، على أنه: "الحصول على صور الحماية القضائية، عبر استخدام الوسائل الالكترونية المساعدة للعنصر البشري، من خلال إجراءات تقنية تضمن تحقيق مبادئ وضمانات التقاضي، في ظل حماية تشريعية لتلك الإجراءات تتفق مع القواعد والمبادئ العامة في قانون المرافعات مع مراعاة الطبيعة الخاصة للوسائل الالكترونية".
و الجدير بالذكر أن التقاضي الالكتروني ليس جديد النشأ، وإنما يعود أول استخدام للتقاضي الإلكتروني إلى عام 1996 عندما قام جمعية التحكيم الإمريكية لايجاد سرعة في التقاضي لتسوية الخصومات عبر الفضاء الإلكتروني بمشاركة المركز الوطني لأبحاث المعلوماتية ومركز القانون و قواعد المعلومات بإدارة برنامج القاضي الافتراضي والإشراف عليه، وكان الهدف الرئيسي منه إعطاء حلول سريعة للمنازعات المتعلقة بالإنترنت عن طريق وسيط يتمثل في قاض محايد يكون خبيرا في التحكيم والقوانين التي تحكم أنشطة الإنترنت أو قانون القضاء الإلكتروني، ويتحقق هذا الهدف بقيام مستخدم الإنترنت بإرسال شكواه إلى تلك الهيئة عن طريق البريد الإلكتروني وبعد ذلك تقوم الهيئة باختيار قاضي محايد ليفصل في النزاع، ويكون قرار القاضي مجردا عن القيمة القانونية إلا إذا قبلت به الأطراف وتكون هذه الخدمة مجانية دون مقابل.
ويمكننا تعريف التقاضي الإلكتروني بأنه "استخدام وسائل و تقنية العالم الافتراضي إلى إنشاء الدعاوى القضائية عن بعد وأيضا الفصل في بعض الدعاوى من خلال الذكاء الاصطناعي ".
إن أهم ما يميز التقاضي الإلكتروني هو التخلص من الاساليب المعقدة أثناء التقاضي بداية من رفع الدعاوى القضائية ورقيا لما يكبده من معاناه واهدار للوقت وهو الغرض من التقاضي الإلكتروني سهولة التقاضي بين المتقاضيين وخلق معاملات الكترونية والتخلص من الملفات الورقية الذى يمكن اتلافها و اهدارها والتي تكاد أن تمتلئ بها ساحات الحاكم، وأيضا سرعة استلام وإرسال المحررات بين المتقاضيين دون الحاجة إلى توجه المتقاضين إلى أروقة المحاكم و السرعة في البت في الدعوى القضائية الأمر الذي يؤدي إلى تقليص مشكلة تكدس داخل المحاكم وتقليل النفقات.
إن تقنية استخدام العالم الافتراضي أصبح من الأساسيات في حياة اليومية وبالنظر إلى التقاضي التقليدي الذى يعتمد على التعامل الورقي للأثبات كدليل مادى بأن يكون مصحوب بالتوقيع اليدوي الآن أن أصبح المراسلات الالكترونية أيضا إثبات ودليل على التعاملات، الأمر الذي الدولة لمواكبة التطور الإلكتروني بإصدار القانون رقم 15 لسنة 2004 بشأن تنظيم التوقيع الإلكتروني وانشاء هيئة تنمية صناعية تكنولوجيا المعلومات الذى عرف التوقيع الإلكتروني بأنه " كل ما يوضع على محرر إلكتروني ويتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها ويكن له طابع متفرد يسمح بتحديد شخص الموقع ويميزه عن غيره"، الأمر الذى جعل التوقيع الإلكتروني كدليل إثبات في المحررات الالكترونية ولكى يصبح أيضا رسميا للتسهيل في التعاملات الالكترونية تم إنشاء هيئة مختصة للإصدار واعتماد التوقيع الإلكتروني والذى يكون من أهدافها تشجيع وتنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، نقل التكنولوجيا المتقدمة للمعلومات وتحقيق الاستفادة منها، والاسهام في تطوير وتنمية الجهات العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتوجيه وتشجيع وتنمية الاستثمار في مجال صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ورعاية المصالح المشتركة أنشطة تكنولوجيا المعلومات.
إن المشرع كان حريص على أن تتحقق حجية الإثبات المقررة للكتابة الإلكترونية والمحررات الالكترونية الرسمية أو العرفية لمنشئها إذا توافرت الضوابط الفنية والتقنية من حيث أن يكون يكون متاحا فنيا تحديد وقت وتاريخ انشاء الكتابة الإلكترونية أو المحررات الإلكترونية الرسمية و العرفية من خلال نظام حفظ إلكتروني مستقل وغير خاضع لسيطرة منشئ هذه الكتابة أو تلك المحررات أو لسيطرة المعنى بها، وهو ما يدل على أن المشرع ارتأى مواكبة التطور التكنولوجي العالمي في المعاملات المدنية والتجارية و الإدارية عن طريق تنظيمها ووضع ضوابط لها من أجل آثارها القانونية.
الأمر الذي جعل التوقيع والمحررات الإلكتروني كدليل إثبات مثل التوقيع اليدوي حكم المحكمة النقض في الطعن رقم 17689 لسنة 89 قضائية بجلسة 10 مارس 2020 بحجية إثبات المحررات الإلكترونية " أن المشرع ارتأى مواكبة التطور التكنولوجي العالمي في المعاملات المدنية والتجارية و الإدارية عن طريق تنظيمها ووضع ضوابط لها من أجل ترتيب آثارها القانونية، مدركا المفهوم الحقيقي للمحرر وأنه لا يوجد في الأصل ما يقصر معناه على ما هو مكتوب على نوع معين من الدعمات support سواء كانت ورقا أم غير ذلك، وأنه ولئن كانت الكتابة على الورق
هى الأصل الغالب إلا أن المحرر لم يكن فى أى وقت مقصورا على ما هو مكتوب على ورق وحده وكل ما يتطلبه المشرع للإثبات هو ثبوت نسبه المحرر إلى صاحبه فلا ارتباط قانونا بين فكرة الكتابة والورق ولذلك لا يشترط أن تكون الكتابة على الورق بالمفهوم التقليدي ومذيله بتوقيع خط اليد و هو ما يوجب قبول كل الدعمات الاخرى – ورقية كانت أو الكترونية أيا كانت مادة صنعها فى الاثبات ".
ولم يكتفى التشريع المصري بإصدار قانون التوقيع الإلكتروني فقط ولكى يواكب التطور التكنولوجي وسرعة التقاضي إلكترونيًا لما ينطوي عيه من مميزات تم اصدرا القانون رقم 120 لسنة 2008 بشأن إنشاء المحاكم الإقتصادية من تنظيم شكل وإقامة التقاضي إلكترونيًا حيث الزم المخاطبين بهذا القانون بتحديد عنوان إلكترونيا يتم الاعلان من خلاله وإنشاء سجل الكتروني بالمحكمة الإقتصادية يخصص لقيد العنوان الإلكتروني وأيضا البريد الإلكتروني الخاص بالجهات والأشخاص وذلك بناء للقانون 146 لسنة 2019 بشان تعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الإقتصادية الصادر بالقانون 120 لسنة 2008.
وبحلول عام 2019 تم إصدار القانون رقم 18 لسنة 2019 بشأن تنظيم استخدام وسائل الدفع الغير نقدى والذي الزم أجهزة الدولة والأشخاص الاعتبارية باستخدام وسائل الدفع غير النقدي مع المتعاملين معها،وخلال جائحة كورونا عام 2020 قامت وزارة العدل بالتعاون مع وزارة الاتصالات و تكنولوجيا المعلومات من تم تنفيذ المرحلة الأولى من إجراءات التقاضي الجنائي خلال جلسات تجديد الحبس عن بعد " الفيديو كونفرانس " وكان أولى المحاكم بتطبيق هذه التقنية محكمة القاهرة الجديدة وكلِ من سجن طرة العمومي وسجني 15 مايو وذلك من خلال نظر جلسات تجديد الحبس باستخدام تقنية الفيديو كونفرانس باتصال القاضى بالمتهمين داخل محبسهم عبر قاعات مخصصة لذلك داخل كل سجن وبحضور محاميهم.