تابعت عن كثب بطولات شباب مصر الواعد في أولمبياد طوكيو 2020، وازدادت حماستي وشعرت بفرحة عارمة حينما حصدت البطلة فريال أشرف لاعبة الكاراتيه الميدالية الذهبية، متفوقة على كل منافسيها ومحققة إنجازا طال شوق المصريين انتظارا له.
فالنجاح أمر ليس بالسهل، خاصة في لعبة رياضية مثل الكاراتيه لا تلقى اهتماما كبيرا في بلدنا، فمن المعروف عن المصريين تشجيعهم وحبهم الكبير لكرة القدم، وهذا الحب استحوذ على نصيب الأسد من اهتمامنا، حتى أُهملت رياضات وألعاب أخرى فردية لا تقل متعة وإثارة عن كرة القدم، لكن بالرغم من كل ذلك استطاعت ابنة مصر قهر كل الظروف التي وقفت أمامها، وتجاوز جميع الصعاب والمحن التي اعترضت طريقها، حتى خرجت من المنافسات المحلية والشعبية بمراكز شباب المطرية إلى العالمية باليابان، والتتويج بميدالية ذهبية في أولمبياد طوكيو 2020، رافعة اسم مصر ومعبرة عن مكانتها الكبيرة بين الدول.
ليست فريال وحدها هي التي حققت إنجازًا بأولمبياد طوكيو 2020، فهناك العديد من الأبطال الذين شرفوا مصر بهذه المنافسة، منهم أحمد الجندي، سيف عيسى، محمد إبراهيم كيشو، هداية ملاك، وجيانا فاروق، لكن البطلة فريال أشرف عبدالعزيز هي التي كان لها النصيب الأكبر في التكريم 'وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم'، فبمجرد فوزها في مباراة الكاراتيه الأخيرة وحسمها للبطولة وحصولها على الميدالية الذهبية، تلقت اتصالا هاتفيا من فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي مهنئا لها وموجها الشكر والتقدير لها على هذا الإنجاز الفريد، ولم يكتفِ الرئيس السيسي بذلك بل أنه أطلق اسمها على أحد المحاور الرئيسية بمنطقة التجمع تخليدا لبطولتها، وتشجيعا للأجيال والمواهب الناشئة حتى يقتدوا بها، لتكون بمثابة الشمعة التي تنير لهم الطريق، والملاح الماهر الذي يصل بهم إلى بر النجاح والبطولات.
الجامعة البريطانية التي تدرس بها فريال أشرف كرمتها أيضا، بإطلاق اسمها على دفعتها بكلية الصيدلة، الرئيس السيسي خصص لها ولأسرتها شقة سكنية جديدة، ورفع قيمة التكريم لهذه البطولة من مليون إلى 1.5 مليون جنيه.
لحظة وصول فريال إلى مطار القاهرة واستقبالها بالطبل والمزمار البلدي، والاحتفال بها في موكب مهيب حتى وصولها إلى منزلها بحي المطرية، يعبر عن فرحة كبيرة كان المصريون في انتظارها، خاصة أن الأعداد كانت كبيرة تفوق أعداد أسرتها وأقاربها أو حتى معارفها، مما يدل أن المصريين يتشوقون دائما إلى مثل هذه المناسبات النادرة، لتخرج رغباتهم المكبوتة في الرقص والغناء وتبادل مشاعر الفرح والسرور.
الزهراء لايق حلمي، فتاة تصغر فريال بعدة سنوات، استطاعت أن تحقق أعظم إنجاز وهو حفظها للقرآن الكريم وتجويده وهي لم تتجاوز العاشرة، بل واستطاعت أن تحصد جوائز عالمية في حفظ وتجويد كتاب الله، منها الأولى على العالم في حفظ وتجويد القرآن، وجائزة الصوت الماسي في ترتيل القرآن الكريم، وكانت أول فتاة تقرأ القرآن الكريم أمام رئيس الجمهورية في محفل كبير وهي لم تتجاوز سن الثامنة عشرة.
عشرات النماذج أمثال الزهراء لايق وفريال أشرف وأحمد الجندي وهداية ملاك يعيشون بينا، شعارهم دائما 'العمل في صمت' و'النجاح من أجل النجاح'، منهم من وصل إلى تحقيق حلمه ومنهم من ينتظر، ومنهم من نال حظه من الشهرة والتكريم وأكثرهم لم ينل، لكن جميعهم لم يتوقفوا عن السعي والمثابرة والمكابدة دون التفات إلى ما يحول هذا السعي، لأنهم يعرفون جيدا أنه ما أفلح ملتفت.
وبالرغم من كل هذه النماذج المضيئة، نجد صورا أخرى لشباب محبط لا يعرف غير المخدرات ولغة السب والشتم واللعن في البلد والظروف، مبررين فشلهم بحجج وأسباب واهية وسط غياب كبير لدور الأهل في تربيتهم وانهيار منظومة الأخلاق والقيم، ينتظرون أن يأتي إليهم النجاح على طبق من ذهب، أو أن يصادفهم الحظ ويعثرون على قطعة الآثار التي ستقلب حياتهم رأسا على عقب وتحقق كل أحلامهم !.
إن الطريق إلى التقدم ليس مفروشا بالورود والرمال؛ ولكن مرارة الكفاح هي التي توصّل في النهاية إلى حلاوة النجاح، وأن تكون قاعا في القمة خير من أن تكون قمة في القاع، ما عليك سوى أن تحدد طريقك، وتطرق كل الأبواب مستعينا بالله واضعا نصب عينيك قوله تعالى: 'إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا'.