لا حديث للعالم كله الأن من مشرقه إلى مغربه إلا عن الغلاء، إرتفاع رهيب فى الأسعار ضَغَط على البشر فى كل الدنيا ولم يستثن ِأحداً،وتدريجياً إرتفع الوعى بالمُصطلحات الإقتصادية الغليظة المُعقدة وأصبح الجميع يتحدث عن إنهيار الدولار المُتوقع، عن التضخم، وعن سعر الفائدة أكثر مما يتحدثون كعادتهم سابقاً عن الفن والرياضة والأخبار الإجتماعية الخفيفة.
وعندما ترتفع سِعر الأشياء وتزداد تكلفة الحياه يُصبح الإنسان أمام أمرين لا ثالث لهما، أولهما أن يُقلل من تكلفة حياته بالتخلى تماماً عن بعض عاداته المُكلفِة والتقليلمن جودة ما يستخدمه أو يستهلكه فى حياته اليومية من طعام وشراب وملابس ومظاهر حياه، أما ثانى الإختيارات فهو زيادة الدخل المادى، فإن زاد الدخل وواكب زيادة الغلاء فلا مانع عندها من أن يحتفظ الإنسان بنفس مستوى حياته السابق.
ويميل الإنسان طبعاً للحل الثانى وهو زيادة الدخل أملاً فى تفادى التضحيات، ويبدأ الواحد منا فوراً فى البحث عن طريقة يزيد بها من دخله، فيُطالِب الموظف النظامى بعلاوة وترقية، ويُعيد التاجر تسعير بضاعته لتواكب الغلاء، ويبحث أصحاب المشاريع الخاصة عن طُرق يزيدون بها من دخلهم أملين فى دخل أعلى ومكاسب أكبر يستعينون بها على تكلفة الحياه المُتزايدة.
لكن ماذا عن أولئك الذين فقدوا وظيفتهم وإستغنت عنهم شركاتهم بسبب الأزمات الإقتصادية أو أولئك الذين لم يحصلوا على عملٍ بعد! أولئك الذين طالتهم البطالة ولم يلتحقوا بعملٍ بعد سواءاً كانوا من أصحاب الشهادات ومن غير أصحاب الشهادات، ماذا عن هؤلاء المُطالبين إجتماعياً بإعالة عائلات أو بتكوين عائلة؟ ليس من الحكمة أن يجلسوا بلا حراك فى إنتظار إنقشاع ضباب الأزمة !وليس من العقل أن يُعيد هؤلاء تَجرُبة البحث عن وظيفة أمِلين فى نتيجة مختلفة ! إذن لابد من طريقة أخرى للحصول على دخل!
أولاً يجب أن يتحول الهدف عند هذه الفئة من معدومى الدخل أو أصحاب الدخل البسيط من (الحصول على وظيفة) إلى ( الحصول على دخل مادى) ،إذ أن الهدف هو الدخل المادى وليست الوظيفة، تعديل بسيط لكنه قادر على إعادة التوجيه وضبط الدفة.
ثانياً وبدون الدخول فى نظريات التنمية البشرية والكلام المُعقد الغليظ يجب أن يبدأ هؤلاء فوراً فى البحث الدقيق فى تفاصيل حياتهم عما يمكن تحويله إلى مشروع تُجارى و دخل مادى فيما بعد.
والحق أن حياتنا كلها بتفاصيلها هى رزق ( فأنت ومواهبك وعلاقاتك ومسكنك وعائلتك والحي الذى تسكن فيه وهواياتك) ، كل هذه التفاصيل هى رزق من الله تعالى وكل ما عليك هو التفكير فى تغيير صورة الرزق وتحويله إلى دخل مادى! عملية (تسييل) بسيطة إن جاز التعبير، عمليه تُشبه فى تفاصيلها بيع أو إيجار أى شئ نمتلكه لأخرين أملاً فى مُقابل مادى.
فإن كنت موهوباً فى شئ فاشرع فوراً فى تحويله لمشروع تجارى يُدر عليك دخلاً، وبيقين أقول لك أن أى موهبة هى مَشروع لمَشروع تجارى (رسم-تلوين-كتابة-تمثيل-كتابة-قراءة-مراجعة وتدقيق-سرعة حساب- موسيقى- صحة) ، إبدأ فوراً وفَكِر وضَعّ خطة وتحدَث مع من يُساعدك ويُعاونك، ليس مُهماً أن يؤمن بك أحد فى البداية، إبدأ وسيؤمنون بك فيما بعد.
وعلاقاتك سواء كانت مع المرموقين الأغنياء أو المُهمشين الفقراءهى مشروع لدخل إضافى، كلتا الفئتينستُعطيك معلومات مُهمة عن إحتياجاتها وما ينقصها، وتستطيع أن تستغل ذلك فى إنتاج دخل إضافى.
وخبراتك التى تجمعت من أعمالك السابقة هى مصدر كامن للدخل، ونشاط عائلتك القديم وإسمها فى المجال، ورحلاتك داخل بلدك أو خارجها إن كنت قد سافرت، ولُغتك الأجنبية هى مصدر كامن للدخل، وكذلك إجادتك للطهى، كل ذلك ما هو إلا فكرة لمشروع جديد ودخل إضافى.
المَلِكة إليزابيث ضربَت لنا مثالاً عملياً ومُلهماً منذ أيام قليلة، وذلك عندما أعلنت عن المنتج الجديد أنتجته الشِركة التى أسسها القصر الملكى مع شركة "نورفولك ناتشورال ليفينغ"Norfolk، وهى شركة مُتخصصة فى المُنتجات العضوية الصديقة للبيئة والخالية من المواد السامة، والمُنتج الجديد هو سائل لتنظيف الصحون ويبلغ ثمنة حوالى 15 جنيه إسترلينى أو 20 دولار أمريكى أو حوالى 250 جنيه مصرى.
مجرد الإعلان عن مُشاركة المَلِكة والقصر فى هذا المُنتج أعطى المنتَج بُعداً أخر وأوجد له فُرصاً أكبر للنجاح والربح، كل ما فعلته المَلِكة أنها إستخدمت جزء من القيمة السوقية للتاج وحولته لمشروع، بالمناسبة تبلغ القيمة السوقية للتاج البريطانى Brand Value حوالى المائة مليار دولار.
إذن المَلِكة إليزابيث ذات الخمسة وتسعون عاماً تستوعب أن لكل شئ قيمة وتستغل القيمة السوقية للتاج، وبين الحين والأخر تقوم المَلِكة (بتسييل) جزء من تلك القيمة عن طريق مشاريع مُشابهة لمشروع الصابون، وهى تفعل ذلك لتُدر دخلاً إضافياً للدولة فَتقِل تكلفة العائلة المالكة على دافع الضرائب البريطانى، وحالياً يتكبَد كلُ دافع ضرائب بريطانى حوالى نصف سنت سنوياً تكلفة العائلة المالكة سنوياً وهى قيمة بسيطة لما تُقدمه العائلة المالكة لبريطانيا.
لكن ليست العائلة المَلَكية فقط هى من لها قيمة سوقية، كل واحد منا له قيمة سوقية، رُبما بالملايين أو بالألوف أو بالمئات لكن الأكيد أن لكل واحد مِنا قيمة سوقية، كل ما عليك أن تقوم بعملية (تسييل) لجزء من تلك القيمة وتحويلها لدخل مادى.
شُكراً لملِكة بريطانيا التى ألهمتنا وأشعلت الحماس فينا وهى فى منتصف التشعينات من عُمرها، وأتمنى أن يتحول الإلهام لعَمَل والعَمَل لدخل يُعيننا على أعباء الحياه ويجعل أيامنا وأيامكم حلوة.