عندما تغلبنا الصدمة ونسقط مصدومين.. كيف نقوم ونقاوم؟

حازم سالم
حازم سالم

سيكون من السخيف أن يقول أحدنا: أتحدى لو أن أحداً من البشر في عالمنا المعاصر قال أنه لم يتعرض للصدمة أو الخذلان أو خيبة الأمل أو اليأس أو الإحباط أو السقوط بأي شكل من الأشكال في حياته؟

ليس الأمر أنه لا أحد معصوم أو بمنأى عن مثل هذه الأمور في حياتنا المعاصرة المليئة بالضغوط والشرور والمآسي والآلام، بل لأنه لا يمكن أن تكون طبيعة الحياة سوى بمثل هذه الحالة وعلى هذه الشاكلة... (’يوم مرّ ويوم حِلو‘ إذا استخدمنا أبسط التعبيرات).. المهم هو كيفية حدوث القيام والنهوض، وكيفية العبور من هذه اللحظة إلى تلك التي بعدها... وكيف يكون مسار رد فعلنا، ومسير خطواتنا، واتجاه تفاعلنا في هذا الأمر...

هناك بالقطع مسارات وخيارات عديدة في هذا المجال... أولها هو أبسطها؛ وهو الاستسلام التام، عدم فعل أي شيء، الركون إلى اللامبالاة والاتكالية، والخضوع لهذا الإحباط أو الفشل أو الاكتئاب أو الخذلان... وهذا ينقسم بدوره إلى نوعين: إما الاستسلام بانتظار تغيّر الحال أو حدوث معجزة أو خلاص غير متوقع ... وهذا هو المسار أو الخيار الأخف وطأة والأقل كلفة والأدنى في الأضرار من الخيار والمسار الآخر الموازي والمكافئ له، وهو الغضب والتشاؤم والعدمية والعبثية ونزعة تحطيم أي شيء وكل شيء، ولو بإيذاء الذات، أو الآخرين، أو القضاء على كل ذرةٍ من المعنى وكل شعاعٍ من الأمل... إنه اليأس المُفضى إلى إهلاك الذات، وربما قتلها حرفياً، عند وقوع الأزمة أو الصدمة وعند حدوث هذا السقوط.

الخيار والمسار المضاد للاستسلام وعدم فعل شيء والركون إلى اللامبالاة والاتكالية والخضوع سيكون بالقطع هو المبادرة إلى النهوض، الحركة، التفاعل، والتقدم إلى النقطة التالية... هو خيار ومسار التعامل بواقعية وبقوة من الإصرار والعزم على النظر إلى الوضع على أنه معضلة أو مشكلة يتوجّب حلها، وأنه اختبار لابد من محاولة النجاح فيه (سواء وصلنا لهذا النجاح أم لا)... والعمل على أساس البحث عن كل الموارد والملكات والإمكانيات المتاحة للنهوض... وأولهما مدّ اليد بكثير من الثقة والأمل في الآخرين، الذين نرى أنهم راغبون، وقادرون، وصادقون، وجادون في مدّ اليد لإنهاضنا وتقديم العون لمساعدتنا... إن "اختبار الثقة" هذا دقيقٌ وصعبٌ وحسّاس، لأن كل شعور بالصدمة أو الإحباط والخيبة يكون غالباً مصحوباً بالإحساس بأن الناس كلُّهم قد انفضوا من حولك، وأن كل الذين وثقت بهم خانوك، وكل الذين اطمأنت لهم نفسك استغلّوك، وكل من أحببتهم إما كانوا يكرهونك أو صاروا يكرهونك، أو على الأقل صاروا يكرهون لك الخير.

اختبار الثقة بالآخرين هو فعلاً دقيقٌ وصعبٌ وحساس، لأنه إذا نجح لن يجعلك تثق بسهولة بكل الناس، بل ستبنى دائرة ضيقة من الثقة بعددٍ قليلٍ من البشر... أما إذا فشلت في اختيار الثقة بالآخرين، فستكون لذلك تداعيات خطرة وبشعة وسيئة، ليس أقلها هو فقدان الثقة بالجميع، وبكل البشر، وقبل كل ذلك وبعده، فقدان ثقتك بنفسك وبمعنى وجودك في هذا العالم.

لا أحد يعيش وحده في هذا العالم... لا أحد يستطيع الاستغناء عن الآخرين – كل الآخرين – ويبقى وحيداً مُستغنياً مُكتفياً بذاته في كل شيء، بينما هو يُشهر في وجه الجميع مقولة الإدانة الشهيرة "الجحيم هو الآخرون".. ورغم أن بعض الناس يعتبرون ذلك شجاعةً وبسالةً وقدرةً وطموحاً وما إلى ذلك، إلا أن ذلك ليس يعني سوى الخوف من الآخرين والرعب والرُّهاب منهم... وليس مجرد عدم الثقة أو محاولة الاستغناء.

بنفس المعيار وفي ذات السياق، سنجد أن من يهتم بأن يخرج من دائرة الصدمة والانكسار والفشل وخيبة الأمل هو ذلك الذي لن يمانع في أن يكون هناك آخرون – موجودين في حياته بالفعل أو يتعرَّف عليهم لأول مرة – وأنهم هُم من يساعدوه ويعاونوه ويعطوه اليد التي يُمسك بها لكي يقوم من سَقطته... وعلى العكس، هناك من يشترط عدم الاستعانة بأحد، وعدم استشارة أحد، وعدم اللجوء إلى أي مساعدة من أي أحد ليكتفي بذاته، بزعم أنه قادر على أن يقف على قدميه وحده دون مساعدة...

الحقيقة هي أن العِبرة بالنتيجة وبالوصول إلى الهدف النهائي، وهو النجاح في أن تكون على قدميك من جديد – وليس السؤال هو كيف حدث هذا، وبمساعدة من، وكيف كان شكل هذه المساعدة.

إن خلاصة هذا الأمر هو أن أول خطوات النهوض من كل سَقطة والخروج من كل صدمة هو أن تستجمع قوَّتك إلى أقصى درجة، وأن تبذل مجهوداً مضاعفاً وضخماً وغير استثنائي؛ لأن خروج سيارة مغروزة في الرمال أو الطين يحتاج إلى مجهود أضعاف أضعاف تسيير سيارة عادية على طريق سهل مُمهّد.

إن نهوضك من السقطة وخروجك من الصدمة هو مسئوليتك التي عليك ألا تخون نفسك في أدائها...

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً