من الأخطاء التي يقع فيها كثير من السياسيين أو حتى من المشتغلين بالشأن العام أن يظنوا أن الدول تتقدم بالاقتصاد أو بتوافر الموارد المالية لها أو حتى بقوتها العسكرية، الحقيقة إن من يزعمون أنه لا سبيل للتقدم وصنع النهضة إلا بالمال أو القوة الغاشمة فهم في الحقيقة يفكرون عكس منطق التاريخ، ذلك أن الدول تحتاج قبل المال وقبل السلاح أولا إلى الحلم لتنهض، ففي التاريخ القديم فقد انهارت الإمبراطورية البلطمية بالرغم من ثرائها الفاحش، وقبلها انهارت الامبراطورية الفارسية بالرغم من قوتها العسكرية الضاربة، وفي العصر الحديث تحولت ليبيا إلى دولة فاشلة وهى تملك موارد نفطية ومحجريه لا تنضب، وتفكك الاتحاد السوفيتي وهو أقوى قوى عسكرية تقليدية ونووية على الأرض حتي أقوى من الولايات المتحدة الامريكية نفسها بمقاييس تعداد الجنود والمدرعات ووسائل إطلاق النيران .
حلم عثمان والتأسيس للامبراطورية العثمانية
وفي التاريخ القديم أيضا أمما قامت فقط على الحلم، قد الدولة العثمانية أبرزها التي قامت بعد ان حلم مؤسسها الأمير عثمان (1299 – 1324م) في إحدى الليالي التي نام فيها عثمان بعد أن قرأ العديد من آيات القرآن الكريم، رأى في منامه حلمًا تلقفته غالبية المصادر التاريخية العثمانية فيما بعد في القرن الخامس عشر الميلادي وأطلقت عليه اسم ( حلم عثمان)، فقد رأى قمرًا يخرج من صدر الشيخ أده بالي ليستقر في صدره، بعد ذلك نبتت في سرته شجرة هائلة حوت تحتها جبالًا وأنهارًا عظيمة، وعندما استيقظ في الصباح وحكى لشيخه عن حلمه، بشره الأخير بأنها السلطنة تسعى إليه، مفسرًا ذلك بأن الشجرة تعني ملك آل عثمان، وأن أبناءه سوف يحكمون مملكة عظيمة الاتساع، ولذلك سارع الشيخ بتزويجه من ابنته مال خاتون.
وفي التاريخ الحديث فإن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وهى بظني أهم القوى العظمى في التاريخ الإنساني منذ بدء الخليقة، قامت على حلم شهير عرف في ادبيات الكتاب المؤسسين للأدب الامريكي وحتى في أدبيات هوليود باسم ( الحلم الأمريكي) ، فلو هذا الحلم لما سافر ملايين من البشر من كل بقاع العالم للأرض الجديدة ليؤسسوا فيها حلما لهم وللعالم وليتحول هذا الحلم في غضون أقل من قرنين من الزمان للقوى الكونية الأهم في تاريخ الإنسانية.
الحلم الأمريكي وبلدان ثرية بالمال فقيرة بالأحلام وسر قوة الدول
إن الولايات المتحدة لم تقم على مواردها الطبيعية بقدر ما قامت على حلمها، ولدينا في المنطقة العربية دولا تملك من الثراء الفاحش ما يزيد عن أصول أى دولة أخرى غيرها على مقربة منها في التاريخ وفي الجغرافيا، ولعل الهند الفقيرة التي صنعت لنفسها مكانة في العالم لا يمكن إنكارها من الأمثلة البارزة والقريبة، ولكن مع ذلك فإن المال لم يكن يكفي لبناء الحضارة ، ليس لأن المال غير هام، بل لأن المال بدون الحلم لا يصلح لبناء الأمم فالدول الفقيرة بالأحلام لن يصنع لها المال حضارة مهما كثر، بل أن سر قوة الدول ليس في مواردها الطبيعية ولا قوتها العسكرية، بل في الحالمون الذين يعيشون فيها، فهؤلاء في أضعف الحالات حتى ولو لم يستطيعوا الوصول للسلطة ونقل حلمهم من الخاص للعام فسوف يكتفون بأن يحولوا الحلم الذي يحلمون به لواقع يحيط بهم وبمن يقتربون منهم، فالحالمون الذين يظهرون للآخرين وهم مشتتون أو يظن البعض بهم أنه واهمون هم بكل بساطة الصادقون، لأن من يحلم ويصر على حلمه رغم الصعاب يحمل في قلبه الخير والحب والسلام .. فلا تتوقفوا عن الحلم يرحمكم الله !