مرة أخرى يعود لنا المفكر الاسلامي محمد ابراهيم مبروك محاولا أن يرمي بحجر جديد في مياه البحر الراكدة من خلال قراءة جديدة لمجمل أعماله وهى في موضوعها العام تعبر عن أفكار سادت خلال حقبة ماضية لما يعرف باسم المفكرين الاسلاميين والتيار الاسلامي وإن يكن صديقي محمد ابراهيم مبروك مفكرا مستقلا عن مختلف التيارات الاسلامية المعروفة، لكن ذلك لا يمنع من أن التيار الاسلامي كان وسيظل تيارا واهما والمفكرين الاسلاميين هم أيضا واهمون ومن بينهم صديقي مبروك ، الحقيقة إن ما يسمى بالمفكرين الاسلاميين باعوا لنا وهما لسنوات، ولم يجنحوا إلا فقط في الدخول في صراعات صفرية ضد بعضهم البعض، وكان كل منهم خصما للآخر ولمن صدقهم من الشباب وجد نفسه في النهاية يمسك بأطراف الهواء، فلا الفكرة الاسلامية تحققت ولا يبدوا أنها قابلة للتحقيق، قد يكون صديقي مبروك أكبر مني بعض سنوات، وقد يكون هو وغيره قد آمن بأفكاره التي يكتب عنها منذ أربعين عاما على الأقل، ولكن أين هي هذه الافكار ؟ وماذا حققت على أرض الواقع ؟ وهم كبير عشنا فيه جميعا من آمن به وحتى من عارضه وجد نفسه قد أضاع عمره متحفزا للمواجهة مع لا شيء في نهاية المطاف !
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ
يقول المولى سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سورة الأنعام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) ، ويقول المولى سبحانه وتعالى في سورة فاطر : وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ .وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ . وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ . وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاء وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (19- 22 ) ولعل من قراءة هذه الآيات الكريمة يتأكد لنا النهج القرآن الكريم في إثبات الشيء بنقيضه، فلسنا مضطرين لكتابة ألاف الكلمات لنثبت ان مفكرو التيار الاسلامي بمن فيهم صديقي المستقل عنهم محمد ابراهيم مبروك قد أضاعوا أعمارهم وأعمارنا أيضا في الوهم الكبير، ولكن دعوة نستعين بمنهج القرآن الكريم في إثبات الشيء بنقيضه، ماذا قدم مبروك وباقي مفكري التيار الاسلامي لمجتمعهم وللعالم وماذا قدم مفكرو الغرب للعالم ولمجتمعهم ؟ وإن الفكر هو الذي ينير الطريق ويصنع الأمم فما هو حال الأمم التي استضاءت بأفكار مفكري الغرب وما هو حالنا الان ؟ هل نجح مفكرو التيار الاسلامي ومنهم صديقي العزيز سوى في أن يصدروا لنا أفكارا لا يمكن أن تجد طريقها للتطبيق أبدا ؟! وإن وجدت نماذج شائهه لتطبيقها في دول زعمت أنها تطبق النموذج الإسلامي فهل من بين هذه الدول من يزعم أنها تقارب الغرب في الحرية والعدالة الاجتماعية ؟ هل يصدقني صديقي مبروك نفسه إن سألته في خطاب مفتوح : يا صديقي العزيز ألا يكفي قرنا ونصف من الدعوة للمشروع الاسلامي منذ جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وحتى كتاباتك أنت نفسك لتدرك أنكم واهمون ؟ لم يتحقق المشروع أبدا وظني لن يتحقق. ولن تتحول أفكاره الافتراضية التي لا وجود لها إلا على الورق أبدا لواقع نعيشه ويعيش بيننا . فبعد قرن ونصف من حركة الإصلاح والنهضة المحصلة النهائية صفرُ كبيرُ، بينما أمم كانت لوقت قريب لا تجد قوت شعبها تملك من العلم والمعرفة ما يجعلها في مصاف القوى العظمى ! هل لديك إجابة يا صديقي مبروك لماذا تظل دولا عربية وإسلامية دولا غنية وثرية على السواء في مصاف العالم المتخلف بينما تنهض الهند في اقل من قرن من الزمان لتصبح واحدة من أكثر الأمم انتاجا للمعرفة ؟!
الامام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني
كلنا دون كيشوت نحارب الهواء بين شامبليون والجيزة وبالعكس
إن الدين الإسلامي هو الدين الخاتم، وهو أعظم من أن يتحول لمشروع فكري أو سياسي، هو دين ينظم حياة المسلم وعلاقته بربه وعلاقته بالآخرين، ظني أننا جميعا ارتكبنا من الأخطاء أخطرها أننا دخلنا في معارك وهمية كلنا كنا دون كيشوت الذي يحارب طواحين الهواء بينما العمر يتسلل من بين أيدينا، خرجنا للحياة وكلنا أمل وتحدي وإصرار وكنا فتيانا أو شبابا على أعتاب العشرين، ورمى كل من بنفسه في دوامة الحياة والأفكار، كل منا ذهب في اتجاه ومرت السنون ثم عندنا والتقينا بين مقهى المأمون بالجيزة وقهوة عم صالح بشارع شامبليون، اسلاميون وناصريون ويساريون، كلنا لم نقبض إلا الهواء، لا أفكار تحققت على الأرض، ولا أمة نهضت، ولا حتى حلم شخصي تحقق، وهم كبير عشنا فيه لأنفسنا وأمتنا لنصحو منه ونحن في ذيل الأمم، وكلما الاخرون الذين كنا نناصبهم العداء تفوقوا علينا في كل شيء تقريبا، بل تفوقوا علينا في كل شيء بالتأكيد، وحتى الذين لم نناصبهم العداء وكنا نتباهى عليهم بدور استاذية العالم المزعومة سبقونا للمستقبل بينما نحن نتمسك بإصرار عجيب بمقعدنا في مربع التاريخ، بل الحقيقة أننا نتمسك بمقعدنا خارج التاريخ !