اعلان

الجرين برجر.. عم شمروخ وتابعه بحلق !

عربة فول
عربة فول

في المسافة من شارع الإشراقية ومدخل حارة السكرية وفي محيط جامع المؤيد، وبعد أن ينتهي المصلون من صلاة الفجر، يخرج عم شمروخ مع أول من يخرجون الجامع وفي معيته زميله أو شريكه 'بحلق'، كان هذا في الفترة بين 1982 وما بعدها.

كنا صغارا لكن أحلامنا كانت كبيرة وسقفها هو السماء، كنا نقضي كل أيام الصيف في الشارع تقريبا، نخرج من بيوتنا في الصباح ولا نرجع إلا قبل مسلسل الساعة 7.15 على القناة الأولى لنرى ماذا سيفعل البرادعي مع رشدي، أو كيف سيواصل الفتى الطائر هروبه من العصابة، كنا نرى دائما بحلق تابعا لعم شمروخ ينفذ تعليماته بالرغم من أنهما متقاربان في العمر.

يخرج عم شمروخ بعد الفجر وينصب عربة الفول وبجواره بحلق، يقوم كحارس الشعلة الأولمبية على شعلة نار فوقها صحن من الزيت قد لا يتغير طول اليوم ولكن تخرج منها مئات أقراص الطعمية التي تضاف لأطباق الفول لمن يتحلق حول عربة عم شمروخ بمجرد أن تشرق الشمس، وكنا نعتمد على عربة عم شمروخ في أن توافينا بطعام يشبع جوع مراهقين ليس في أيديهم إلا قروش يحصلون عليها كمصروف لهم، وإن كان بعضنا لا يعجز أن يحصل على 'ربع جنيه' بأكمله عندما يؤدي أى مهمة عمل في أى ورشة أو محل من ورش أو محال الغورية وحارة الروم.

ومع الساعة التاسعة صباحا يكتمل المشهد على عربة فول عم شمروخ في وجود عشرات من عمال محال الغورية وصبية الورش الذين يحملون صواني تجمع بين أطباق الفول والطعمية والسلطة بخلاف من يأكل على العربة ويتناثر عليها وحولها أطباق الفول والطعمية وأرغفة خبز لا تحصى، ومن حيث المبدأ لم يكن عم شمروخ ليعطي أحدا طبقا من الفول بدون أن يعطيه مع الطبق 4 أرغفة على الأقل، وأحيانا 7 أرغفة لو طلب مع الفول طعمية، كان وزن رغيف الخبز الرسمي وقتها 175 جرام وثمنه 'تعريفة'، والتعريفة لمن لا يعرفها هى نصف القرش، وكان الجنيه يشتري 200 رغيف يومها، وكانت دراجة المخبز تأتي لعم شمروخ على مدار اليوم من الساعة السادسة صباحا وحتى الساعة الثانية ظهرا لتعطيه أقفاص الخبز التي يوزع منها على مدار اليوم مع أطباق الفول والطعمية التي كانت بمثابة الإفطار الأساسي لمعظم من في المنطقة، وأيضا وجبة الغداء للكثير من صبية وعمال المحال والورش.

مرت السنون ونسيت عم شمروخ وتابعه بحلق، ولكنهما مرا بخاطري عندما وجدت مطعما في منطقة راقية يقدم ساندوتشات أطلق عليها اسم "الجرين برجر" وهى نفس الطعمية التي كان بحلق ينفق يومه في إعدادها والعناية بها لتخرج شهية وساخنة على الدوام، وعندما كنت مع صديق صيدلي أخبرني ملاحظة خطيرة مفادها أن الطلب على أدوية الاكتئاب في صيدليته وصيدليات أخرى تضاعف، وأن الشباب والفتيات في سن صغير جدا أصبح يطلب أدوية الاكتئاب، وبعضهم يطلب أصناف منها مدرجة في جدول المخدرات بشكل ملفت ومخيف، وقبل أن أطلب أن أيضا مضادات للاكتئاب سألته عن بديل لأدوية الاكتئاب فذكر لي بعضها ومن بينها تناول الفول والطعمية بانتظام ويوميا.

فاجأني صديقي الصيدلي بأن يحتوى الفول على مكونات طبيعية تساعد على الشعور بالسعادة والهدوء والراحة، أن الأغذية الشعبية وفي مقدمتها الفول المدمس والذي يحتوي على مكونات طبيعية تساعد على الشعور بالسعادة والهدوء والراحة، كما يساعد الفول على تحسين المزاج ومحاربة الاكتئاب لأنه مصدر للألياف يساعد على عدم وصول المواد الضارة للمخ والتي تؤثر على إفراز مادة السيرتونين التي تسبب السعادة.

في نفس الوقت فإن الفول يزيد من مستويات L-dopa وهي مادة كيميائية تحسن الأداء الحركي وتعمل هذه المادة الكيميائية أيضًا كناقل عصبي وتخفف من أعراض مرض باركنسون الأخرى ويمكن أن يساعد تضمين حبوب الفول في نظامك الغذائي في منع مرض باركنسون تمامًا، وحتى بالنسبة للمصابين بالفعل بالاكتئاب فإن الفول يساعد جسم من يأكله تحويل L-dopa إلى dopamine وهو الهرمون المرتبط بالمزاج الجيد.

وقتها عاد لذهني مرة أخرى مشهد عربة فول عم شمروخ وتابعه بحلق وجو البهجة والسعادة التي كانت تحيط بالعربة بالرغم من محاولة عم شمروخ أن يفرض بعض الجدية على عمله وخصوصا توجيهاته لبحلق الذي كان يبدو مع مثل ثنائي لوريل وهاردي الشهير، وكنا ونحن نتحلق حول عربة الفول نحن وغيرنا نردد اسم ( عم شمروخ ) و( بحلق) ونسمع آخرين يرددونه مئات المرات بما يتضمنه الاسمان من جرس فكاهي فنشعر بسعادة تغمر أنفسنا، بخلاف البهجة التي كانت تشيعها في أنفسنا ألوان عربة الفول المميزة بلونها الأحمر.

وفي نفس الوقت لم نكن نعلم أنه وظيفيا فإن تناولنا للفول والطعمية في وجبة الإفطار يوميا، وأحيانا في وجبتى الإفطار والغداء يمنحنا كل هذه الوقاية من مرض الاكتئاب، وهو نفس ما كان يفعله الخبز البلدي الأسمر الذي كان عم شمروخ يمنحه لنا دون حساب، فمن الفوائد الصحية لخبز الحبوب الكاملة أنه يعالج الاكتئاب، وذلك لأنه يحفز إفراز السيروتونين في المخ، مما يقلل من الأعراض المصاحبة للاكتئاب.

ولكن بعد أن تحول بعضنا عن تناول الفول والطعمية بالخبز الأسمر على الإفطار إلى تناول أجبان ولحوم مصنعة مع عيش الفينو وبعضنا اكتفى بكوب النسكافيه على بسكويت على سبيل اصطناع رقى زائف واستعلاء غريب على الفول والطعمية سقطنا جميعا في بئر الاكتئاب العميقة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
اليوم.. انطلاق قمة منظمة الدول الثماني للتعاون الاقتصادي بالقاهرة