قد يكون رمضان من عام 1440 هـ هو أجمل شهر رمضان مر بي في حياتي، أو لنقل أن رمضان عام 1440 جاء لي على موعد كانت روحي فيه حائرة تترقب حدثا من السماء لم يقع بعد لكنه سوف يقع بكل تأكيد، نعم سوف يقع الحدث الذي ينتظره حدسي بكل تأكيد، هذا ما يؤكده لي حدسي الذي لم يخالفني أبدا، هو نفس الحدس الذي حدثني وأنا اتجول كعادتي التي لازمتني منذ سنوات في كل شبر من شارع شامبليون عندما لفتت نظري الأسعار المبالغ فيها لرحلات العمرة التي تم استئنافها بعد فترة توقف بسبب جائحة كورونا، فوقع في نفسي أن الله سبحانه وتعالي سوف يرزقني بالعمرة في هذا العام بلا حول مني ولا قوة !
فول شمروخ وطعمية بحلق ومقهى صالح
وحدث ما حدثني به حدسي، ففي الأسبوع الثاني من شهر شعبان كنت مع صديقي المفكر الإسلامي الكبير محمد إبراهيم مبروك على مقهى في شارع صالح أحد معالم شارع شامبليون صالح نفكر كيف نقضي يوما من أيام شهر رمضان في سيدنا الحسين، فقد كان كل أملي مع صديقي مبروك هو قضاء يوم من أيام رمضان في الحسين، وكانت المشكلة التي تواجهنا هو ان تكلفة إفطار وسحور في الحسين وعلى افتراض أننا سوف نذهب لمطاعم ومقاهي شعبية تحتاج خبير مالي وطبيب نفسي حتي يستطيعا إقناع شخص من جيلي بأن يشتري قرص الطعمية ب4 جنبه وطبق الفول ب 20 جنيه بخلاف ثمن أرغفة الخبز وثمن زجاجات مياه معدنية غالبا هي مياه بئر مختلط بالصرف الصحي مجهول المصدر ، وهو نفس الشخص الذي تعود أن يشتري قرطاس الطعمية ب25 قرش من عم بحلق الذي يصنع الطعمية في ركنة على مسافة مرمى حجر من جامع المؤيد بالغورية وطبق الفول بنفس الثمن من مطعم شمروخ بحوش قدم مع حق الزبون في التهام أي عدد من أرغفة الخبر بدون عدد على اعتبار أني شخصيا كنت اشتري رغيف الخبز ب ( تعريفة ) أو 5 مليمات ولمن لا يعرف ماذا تعني ( التعريفة ) أقربها له فأقول أن الجنيه كان يشتري 200 رغيف من ارغفة الخبز كل رغيف وزنه 250 جرام وثمنه ( تعريفة )!
صينية شاي بالحليب ومباريات كرة القدم من التليفزيون الحكومي المجاني
، كنا من عائلات بسيطة وطعام موائدنا بسيط مثل حال أسرنا، نأكل الفول والطعمية على الإفطار وتطبخ لنا الأمهات الفول نفسه في أطباق متنوعة بالصلصلة والبصل ونادرا بالبيض، ملايين الأسر المصرية في ذلك الوقت كانت لا تأكل اللحوم في الأسبوع إلا مرة أو مرتين، وكانت الأسر المتيسرة تحرص على ألا تشعر باقي العائلات في نفس البيوت القديمة الصغيرة بأنها تطبخ يوميا حتي لا تجرح مشاعر أطفال الأسر بسيطة الحال، كنا نفرح يوم الجمعة بأن نجتمع على صينية شاي بالحليب وقد لا تشتري معظم الأسر الحليب في ذلك الوقت إلا يوم الجمعة فقط، كانت تجمعنا الفرحة ونحن ننتظر مباراة يوم الجمعة التي تذاع على الهواء من التليفزيوني الحكومي المجاني بدون اشتراكات أو كروت فك شفرة مدفوعة، كانت الطمأنينة تجمعنا ومن المستحيل أن يشعر أي شخص منا أنه جائع أبدا، ولكن لم يكن أبدا في أي وقت نعجز عن شراء الفول والطعمية والخبز !
في الطريق لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم
في الطريق لمسجد النبي صلى الله وجدت نفسي خارج سياق السيطرة على الذات، اردد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة الإبراهيمية المعروفة بشكل تلقائي ومستمر كأني عاجز عن التوقف، وفي المسافة التي أمشيها من المسكن للمسجد اشعر اني اطير بجناحين وعندما لاحت لي مآذن المسجد النبوي الشريف والقبة المبنية على الحجرة النبوية الموجودة داخل المسجد النبوي في المدينة المنورة. ، شعرت كأن روحي انفصلت عن جسدي، دخلت للمسجد وصليت وأمسكت مصحف وبدأت في الترتيل بصوت مسموع لي فقط، لم أكن أشعر بالوقت يمضي إلا مع كل آذان ، اصلي ثم أعود للترتيل، غمرتني مشاعر إيمانية استثنائية وفرحة افتقدها منذ طفولتي، أذن المؤذن للعشاء فوجدت أني وصلت للجزء الخامس عشر من المصحف المشرف ولم ينتهي اليوم، انتبهت إلى أن طوال عمري كنت مقصر في جانب القرآن الكريم، وإني كنت كل يوم اقرأ مئات الصفحات من كلام بعضه سمين وأغلبه غث، ووقع في نفسي أن يجب أن أغير بعض مسارات عادات القراءة قبل أن يولي العمر وتنتهي منحة الحياة !