يوميات معتمر مصري في المدينة المنور ( 7 ) .. الطريق إلى مكة

مكة المكرمة
مكة المكرمة

في نهار السادس والعشرين من رمضان جاءني شخص لا أعرفه، في الحقيقة حتى اسمه لم استطيع أن أساله عنه، لكن من لهجته عرفت أنه يمني، سألته من أي مدينة باليمن لم يعطيني إجابة وهذا ما استغربته لكن لم اكرر عليه السؤال، ولفت نظري أنه ينبهني بعناية واضحة إلى أن الليلة سوف تكون ليلة السابع والعشرين من رمضان، وانتهبت لمقصد الرجل، فلم أشعر كيف مرت تفاصيل الوقت القصير التالي، وفي ترتيب لا أظن اني اقصده كنت بملابس الإحرام في حافلة تقطع الطريق من المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، لمكة المكرمة وأنا اكرر نية العمرة، وبعد وقت غير قصير وصلنا للميقات فكرر كل من في الحافلة نية أداء شعيرة العمرة جهرا وسرا .

مكة المكرمة

ألسنة تتحدث بلغات تختلف في كل شيء وتتفق على ذكر الله

في الحافلة كان المعتمرون من جنسيات لا احصيها، من السنغال ومصر واليمن والسودان والهند واليمن وبنجلادش ومن بلدان في قارات العالم الخمسة ، ألسنة تتحدث بلغات تختلف في كل شيء لكن تتفق على ذكر الله وترتيل القرآن الكريم والجهر بالدعاء، عندما خرجت الحافلة من حدود المدينة المنورة تقصد طريق مكة المكرمة عاودتني الدهشة، كيف لهذه البقعة من الأرض، المدينة المنورة، التي لا تزيد مساحتها على 3 كيلو متر مربع فقط أن تغير تاريخ الإنسانية، وأن ينجح النبى صلى الله عليه وسلم بعد ان هاجر لها مع صاحبته في أن يصل بدعوته لأركان الأرض الأربعة، والان بعد أكثر من1400 سنة تجمع المدينة المنورة كل هؤلاء المسلمين من كل بقاع الأرض ومن ألسنة شتى.

رحلة النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق غيرت تاريخ الدنيا

تقطع الحافلة الطريق بين مكة والمدينة، فانظر من النافذ للصحراء المترامية على الجانبين، قبل 1400 عاما من اليوم كانت هذا الطريق أكثر قسوة ووعورة، 453 كيلو متر من الصحراء التي لم يكن فيها طرق ممهدة ولا حافلات مكيفة، فقط صحراء وحجارة في ذلك الوقت، قطعها النبى صلى الله عليه وسلم ورفيقه في الرحلة أبو بكر الصديق، فردان لا حول لهما ولا قوة أمام قريش بخيلها وخيلاءها، خرجت قريش تطاره الاثنين الذين كان الله ثالثهما، وكأن صناديد قريش كانوا يعرفون ان وصول النبى صلى الله عليه وسلم ليثرب التي أصبحت المدينة المنورة بضياء وجه النبى صلى الله عليه وسلم سوف يغير ليس من موازين القوة في قريش فحسب، بل سوف يغير التاريخ بأكمله، انظر من نافذة الحافلة المكيفة للصحراء حولي على مرمى البصر، والجبال تحيط بها، وأتخيل كيف كانت هذه الصحراء قبل 1400 سنة، وكيف قطعها النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبه مشيا على قدمين في أعظم رحلة قطعها إنسان منذ بدء الخلق .

الخوف والامل والفرحة والرجاء في ليلة السابع والعشرين من رمضان

يؤذن المغرب في الطريق، فيخرج كل من في الحافلة ما معها من تمر وماء ويتقاسم ركب العمرة الزاد القليل، نصل لمكة بعد العشاء اشعر بفرحة طفولية تغمرني وبأن قلبي الذي يهفو إلى مكة يطير بجناحين، اقترب من الحرم، تظهر لي مآذن بيت الله الحرام ، اقترب فأشاهد زحاما لم أتوقعه، لم اخذ في حسباني ان ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك حشود من المعتمرين بملابس الاحرام البيضاء من الرجال، يختلط بينهم ما يقاربهم في العدد من النساء المعتمرات، شاهدات علامات وشارات كل العالم الإسلامي على حقائب اليد التي تحمل جوازات السفر، الزحام شديد ولكن لا أحد يفكر في التراجع، شعرت بالخوف وحدثت نفسي : ( يا إلهي هل اعود بدون ان ادخل للبيت الحرام ) وصلت مع الجموع لبوابة العمرة فوجدتها محاصرة بالمعتمرين ولا ابالغ فأقول ان عشرات الالاف كانوا يقفون على هذه البوابة في هذه اللحظة، ولا أبالغ إن قلت أن الحشود ورائي وامامي فاقت مئات الالاف بل وفاقت المليون معتمر وزائر في هذه الليلة المباركة، كدت أن أبكي وانا خائف من ألا أتمكن من الدخول للبيت الحرام وسط هذه الحشود الهائلة، عندما تملكني الخوف من أن اعود من مكة للمدينة بغير أن تكتحل عيني برؤية الكعبة المشرفة والطواف حولها توقف الزمن ولا أعرف ماذا حدث، ولكن بعد وقت لا أدركه وجدت نفسي على بعد خطوات من صحن المطاف داخل البيت الحرام، وقعت عيني على الكعبة المشرفة فغمرتني فرحة لم أشعر بها من قبل في حياتي، تعلقت عيني بالكعبة المشرفة ودخلت صحن الطواف، فتوقف الزمن عندي ونسيت الدنيا وما فيها .

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً