بين زيارتي الأخيرة للمدينة المنورة في 2014 وزيارتي في 2023 وفي اقل من عقد من الزمان حدث ما لم يكن يتوقعه أكثر الحالمين للمشهد العام في المملكة العربية السعودية، فمنذ هبوط الطائرة في مدينة النبى صلى الله عليه وسلم وكان الهبوط فجرا أو قبل الفجر بحوالي ساعتين كان من اللافت أن كل طاقم الشرطة العاملة في هذا الوقت في نطاق الجوازات من النساء كاشفات الوجوه، وهو أمر مذهل لمن يعرف السعودية قبل عقد من الزمان، وللوهلة الاولي ظننت أن المكان الذي توجهت له مخصص لفحص جوازات القادمين من النساء وان للرجال مكانا آخر ، فتنقلت بين صفوف الركاب لأصل لمكان مخصص للرجال فلم أجد إلى أن شاهدت إحدى الشرطيات السعوديات حيرتي فأشارت لي أن أتقدم لمنصتها فختمت لي جواز السفر بعد ان راجعت البيانات فمررت لأخطو لخارج المطار لتستوقفني فتاة ظنى أنها تعمل مع مؤسسة سياحية ولكنها موجودة في هذا الوقت المتأخر من الليل في مدخل المطار بحكم عملها لتسألني إن كنت قدمت للعمرة فخشيت أن يكون في السؤال فخ منصوب لدفع رسوم إضافية فتهربت من الإجابة بشكل لطيف وتصنعت الاستعجال لأبحث عن صديق ينتظرني !
اختفاء لوحات الزي الشرعي على طريق الرياض – مكة المكرمة
وعلى طريق الرياض - مكة المكرمة اختفت اللافتات التي تحدد الزي الشرعي للمرأة بأنه يستر كامل الوجه والقدمين حتي يجر الثوب الأسود الملازم للسعوديات في الأرض ويخفي العينين الاثنين، وكانت هذه اللوحات في السابق تنتشر على الطريق في ثلاث نماذج متجاورة، النموذج الأول لمرأة ترتدي زيا ساترا من اللون الأسود يجر في الأرض ولكن تكشف وجهها وتحته علامة غلط وعبارة سافرة ومتبرجة، واللوحة الثانية لثوب أسود يجر في الأرض ونقاب يغطي عين واحد من عيني المرأة وتحته كلمة غلط وعبارة سافرة ومتبرجة، واللوحة الثالثة الصحيحة لامرأة يغطي الثوب الأسود كامل جسمها وكامل وجهها بلا أي منفذ حتى للتنفس وتحت هذه اللوحة عبارة ( الحجاب الشرعي الصحيح ) ! ولم يقتصر الأمر على اختفاء هذه اللافتات فحسب، بل أن طريق الرياض – مكة المكرمة نفسه لم يعدم مرور سيارات تقودها النساء وهو أمر كان من المحرمات قبل سنوات قليلة.
طالبات سعوديات يقدن السيارات في طرقات المدينة المنورة
أما في داخل المدينة المنورة فأصبح من الطبيعي أن تقود النساء السيارات وأن ترى سيارة تقودها طالبة في الجامعة ومعها زميلاتها يقفن بالسيارة أمام مكتبة فتنزل طالبة من السيارة أو طالبات لتدخل المكتبة وتتعامل مع البائع من داخل المحل وليس من خلال نافذة في زجاج المحل كمان كان في الماضي، فتطلب كتبا أو تصور مذكرات هي وزميلاتها ثم يخرجن ليركبن السيارة وتقودها أحداهن في عفوية أمام عربات الدوريات وبدون الشعور بأى حرج قانوني أو اجتماعي كما كان في الماضي ، وكان من المدهش أنه امام محلات السوبرماركت والبقالة فإن ربات البيوت السعوديات تخلين عن السائق وبدأن في قيادة سيارات خاصة بهن ينزلن منها لشراء متطلبات منازلهن ويقدن
السيارات بأنفسهن بدلا من المشهد القديم المعتاد الذي كنا نرى فيه مئات السائقين الأسيويين في الانتظار خارج محلات الهايبر والسوبر
ماركت وقت أن كان ممنوعا على المرأة السعودية قيادة السيارات
تراجع ارتداء الزي السعودي التقليدي في المصالح الحكومية
.
أما الشباب السعودي فبدأ بالتخلي بشكل واضح عن الزى السعودي التقليدي، وحتى في خلال مراجعة المصالح الحكومية فلم يعد من الضروري ارتداء الزي السعودي كما كان في الماضي لإتمام المعاملات الحكومية داخل هذه المصالح، بل أن صورة معقب الإجراءات التقليدي الذي يرتدي الشماغ والغترة في كل تحركات اختفت وحل محلها صورة شاب أنيق يرتدي الجينز وجاكت بسيط أو حتي تي شيرت مطبوع عليه شعارات غربية قد تكون مرتبطة بمدينة نيويورك مثلا، وهو يتعامل مع كل من يقابلهم أو ينهي إجراءاتهم من مواطني دول أخري بلغات مختلفة وليس باللغة العربية فقط . وحتى الأطفال الصغار الذي يذهبون للمدارس لم يعد لزاما عليهم ارتداء الزي السعودي الذي كان يعتبر عدم ارتدائه في الماضي سببا توجيه اللوم لولي أمره، بل أن من اللافت أن الأطفال السعوديين وحتى سن المراهقة شباب وفتيات لا يتقيدون أبدا بأي زي ولا حتى العبايات السوداء للفتيات كما كان يحدث سابقا.