وإني ملتف بكبريائي التفاف الساق بالساق: أنأى عمن يقلل من قدري، وأحتشم في خيلائي، وأسبح في عالم يقترب من طائر الغرور إن حمى عزة النفس، ويبتعد عنه إن تطاول على العباد، أنا مع أمري كالسائر على الجمر، المحتمي من الزلل.. وأنا في كتاباتي الغزيرة لم أتطلع يوما لجذب قارئ بقدر سؤال المتعة والتدثر بشهوة الكتابة لدي، وأنا في هذا المنبر ضعيف أمام رغبتي، مستسهلا للحكي.
ومع فارق الغنى والفقر الأدبي بيني وكبار الكتاب، إلا أني أظل متطلعا لمصيرهم، بعين متشوقة للمكتوب، رغم جهلها به، واضعا في صدري شعور «الله عند الغلابة»، الذي يصنع على عينه لهم ما يرضيهم، ويجنبهم سوءات ما يخشون، بطبطبة سرمدية لا حدود لها ولا قواعد، إذ يرزقهم بغير احتيال منهم، أو مهارة أو تخطيط.
أنا «غلبان» يا رب، أقتات بالأمل وأخشى اليأس، متشبث بقدرتك وأهرب من نزغ الشياطين، لكن اليأس قاس، والشياطين كثر، لذا أسألك نجاة من لدنك لما هو ماض في جسدي، قاطع لأوتار قلبي، مهدد لبقائي وسط الكاتبين، فأنا مشفق من انقطاع الأنفاس، وغلبة الشقاء، وسوء المنقلب.
هذه المقدمة عن ذاتي لا بد منها، لأني متعب من الفرص التي تأتيني فلا ألتفت.. التي أفرط فيها، رغم عظيم مستقبلها، بينما أخوض بدلا عنها فرصا لا مثيل عليها في السوء، أسكنتني الهزيمة، ولفت حول جسدي الأوجاع، وغشيت عقلي برداء الانهزام والنكد، وأنا في ذلك كقول صلاح جاهين في رباعيته "أندم على الفرص اللي أنا سبتهم، والا على الفرص اللي ما سبتهمش"، فلو أني عاينت الفرصة جيدا لما اضطررت أن أقف وقفتي تلك أنتظر دوري في إثبات الذات، كأني أبدأ رحلتي الصحفية للتو، ولما سمحت لأنصاف المواهب أن تتسلل إلى حيث أنتمي، فيخربون مستقبلي ومستقبل القادمين بعدي.
ورغم ذلك، فبالحق أقول، إن الفرصة لا تأتي إلا لمن آمن بحقه فيها، فلا ينبغي علي أن ألوم الزمان أو أعتب على القدر، فأتحجج بمن صادفتهم فعاقوا موهبتي، أو نافقوا في محيطي فسلبوا أولويتي، بل أنا بوضوح ضحية خوفي، وربما انبطاحي و"مشيي جنب الحيط"، وكوني لم أكن مقداما بما يكفي لأتبوأ مقعدا يلملم ذلك الشتات الذي أشعره، فيلهيني عن الحسرة ويقتل داخلي بقية الجموح.