رأيته على الأقل 3 مرات، في كل مرة كنت اراه كنت ارجع لما علق في ذكراتي عن صفات الأنصار من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم ، هو رجل ربعة يتحرك بهدوء ملاك يمشي على الأرض، تبدو عليه سمات المؤمنين، في المرات القليلة التي رأيتها تجسد أمامي معنى الآية الكريمة : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ، وجدت نفسي اتابعه بفضول من بعيد بدون حتى أن أحاول أن اسأله عن اسمه، وحتى عندما اقترب مني ولده الصغير اولاحظت الشبه بين الابن والوالد في كل شيء لم اسأل الولد عن اسمه ولا عن اسمه الوالد، رجل في نحو الخمسين من عمره يقود فريقا من العمال ظني أنه بعضهم عماله وبعضهم متطوعين معه، لا يمكن أبدا أن يكون ما رأيته من محبة العمال والمساعدين لهذا الرجل فقط بسبب راتب أو علاقة عمل، يحبونه ويأتمرون بأمره عن رضا، يتبعونه وهو يتلمس حاجات طلاب الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ويوفر لهم احتياجات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها بدون مقابل، لا أظن أبدا أني سوف انسى هذا الرجل وأنا اراه يبذل نفسه بتواضع نبلاء النفوس في خدمة طلاب فقراء قادمين للمدينة المنورة من أجل العلم، هو يملك من المال ولديه من العمال من يقومون بكل ما يشير لهم به، لكنه يذهب بنفسه لمكان كل طالب ويلتمس حاجاته ويقدمه له والابتسام لا يغادر ثغره مصداقا لقول الله تعالى : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )
هي المدينة المنورة .. هذه هي السماء التي أظلت خير من طلعت عليه الشمس
هي المدينة المنورة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، امشي فيها اتملس طريقا قد يكون النبى صلى الله عليه وسلم، فقط ثلاث كيلومترات مربعة حدث فيها ما غير التاريخ، امشي على قدمي في طريق المسجد النبوى الشريف، أتطلع للسماء، هذه هي السماء التي أظلت خير من طلعت عليه الشمس، ابحث عن جبل أحد، يقابلني رحالة من دولة مجاورة يسألني إن كنت اعرف مواقع فيها منازل لصحابة النبى صلى الله عليه وسلم، ابتسم له واعتذر بأني لا أعرف، لكن في الحقيقة بيني وبين نفسي أتعجب من السؤال، يسألني عن منازل صحابة النبى صلى الله عليه وسلم والمدينة المنورة كما هي لم تتسع في المساحة منذ وفاة النبى صلى الله عليه وسلم ، وعدد الصحابة فيها كانوا نحو ثلاثين ألفا، روى الساجي في المناقب بسند جيد عن الرافعي قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ستون ألفاً ثلاثون ألفاً بالمدينة، 30000 صحابي من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم عاشوا في ارض مساحتها 3000 متر مربع فقط، كل عشرة من صحابة النبى عاشوا هنا في متر مربع واحد، احبو النبى والتفوا حوله وحاربوا معه وبذل كل منهم ماله وروحه في سبيل نصر النبى صلى الله عليه وسلم، هم الأنصار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق: بُغض الأنصار، وآية المؤمن: حب الأنصار)) ( رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3784). وفي حديث البراء: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأنصار: ((لا يحبهم إلا مؤمنٌ، ولا يُبغِضهم إلا منافقٌ، مَن أحبهم أحبه الله، ومن أبغَضهم أبغَضه الله)) ، خرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأنْصَارِ، ولو سَلَكَ النَّاسُ وادِيًا أوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصَارِ وشِعْبَهَا) ، و رُوي عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قوله: (إنَّ النَّاسَ يُهَاجِرونَ إليكُم ولا تُهَاجِرونَ إليهِم، والَّذي نفسي بِيَدِه، لا يُحِبُّ الأنصارَ رَجلٌ حتَّى يَلقَى اللهَ؛ إلَّا لَقِيَ اللهَ وهوَ يُحِبُّه ولا يُبغِضُ الأنصارَ رَجلٌ حتَّى يَلقَى اللهَ، إلَّا لَقِيَ اللهَ وهوَ يُبغِضُهُ) رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن الحارث بن زياد الساعدي، الصفحة أو الرقم:1979، حديث حسن.
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
كل هذه المنازل التي نمر عليها في المدينة المنورة وكل جزء من هذه الأرض لمباركة التي استحي أن أقول إني اخطو عليها عاش فيها صحابي ، صحابة غيروا وجه الأرض وكتبوا مسار جديدة للتاريخ، من هذه المنطقة الصغيرة في مساحتها العظيمة في مكانتها خرج الإسلام منتصرا ليتقلد استاذية العالم، هؤلاء الصحابة الذين عاشوا على هذه الأرض هم الذين هزموا الروم والفرس، وبلغوا دعوة النبى صلى الله عليه وسلم لكل أركان الأرض، هذه البقعة من الأرض خرج منها الإسلام لكل بقعة في العالم، الف الله بينهم في المدينة مصداقا لقول الله تعالى : وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، يقول الطبري في تفسير هذه الآية الكريمة : قال أبو جعفر: يريد جل ثناؤه بقوله: (وألف بين قلوبهم)، وجمع بين قلوب المؤمنين من الأوس والخزرج، بعد التفرق والتشتت، على دينه الحق, فصيَّرهم به جميعًا بعد أن كانوا أشتاتًا, وإخوانًا بعد أن كانوا أعداء. وفي الحديث الشريف روى البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومعهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَكَلَّمَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنَّكُمْ أحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ مَرَّتَيْنِ)، وقوله: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم)، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لو أنفقت، يا محمد، ما في الأرض جميعا من ذهب ووَرِق وعَرَض, ما جمعت أنت بين قلوبهم بحيْلك, (5) ولكن الله جمعها على الهدى فأتلفت واجتمعت، تقوية من الله لك وتأييدًا منه ومعونة على عدوك. يقول جل ثناؤه: والذي فعل ذلك وسبَّبه لك حتى صاروا لك أعوانًا وأنصارًا ويدًا واحدة على من بغاك سوءًا هو الذي إن رام عدوٌّ منك مرامًا يكفيك كيده وينصرك عليه, فثق به وامض لأمره، وتوكل عليه.