في زيارة جديدة للتاريخ يقدم الكاتب والناشر والكبير الأستاذ محمد الصباغ رؤية جديدة لأحداث قديمة في مخاطرة قد تجعله أشجع مؤرخ عربي في العصر الحديث، بل وإن أى مقاربة علمية من وجهة نظر علم التاريخ لما قدمه من معلومات تاريخية قد يجعل من الأستاذ محمد الصباغ ليس أشجع مؤرخ عربي فقط في العصر الحديث بل قد يكون أهم مؤرخ تصدى لكتابة تاريخ حقبة خطيرة من تاريخ مصر والشرق الأوسط في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية وحتى نكسة يونيو سنة 1967.
وثائق تاريخية من الصعب التشكيك فيها
وتعود أهمية ما يدلي به الأستاذ محمد الصباغ إلى أنه يستند لوثائق من الصعب التشكيك فيها، وبعضها بخط يد الشخصيات المؤثرة في هذه الفترة وأبرزهم شمس بدران الوزير السياسي للحربية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، والمشير عبد الحكيم عامر وهو من هو في مكانته من عبد الناصر، كما أن الأستاذ محمد الصباغ نفسه لا يعرف عنه أنه قادم من خلفية أيديولوجية معادية للتيار الناصري ولا حتى خلفية اجتماعية تعتبر نفسها في صراع أو ثأر مع الحقبة الناصرية .سلوك لعبد الناصر ينسف صورته كزعيم وطني
الحقيقة إن المخاطرة التي قرر الأستاذ محمد الصباغ أن يتحملها بمفرده هو أنه عرض على لسان أشخاص مقربين من عبد الناصر وحتى مناصرين له لطبيعة علاقات وسمات شخصية في عبد الناصر ووفقا لما يعرضه الأستاذ محمد الصباغ فإن هذه الطباع وما نجم عنها من سلوك شخصي لعبد الناصر تنسف صورة عبد الناصر كزعيم وطني مثالي منزه عن النقائص، بل بعض هذا السلوك وإن كنت لا أملك الشجاعة لمجرد كتاباتها مجددا ليس عن خوف من المساءلة، بل لأن هذه الطباع وما ارتبط بها من سلوك هو صادم لدرجة أني لم أستوعب بعد حتى لحظة كتابة هذا المقال كيف يمكن أن يصاب المصريون وكل الشعب العربي الذي عاش هذه الفترة بالصدمة في حالة ثبوت هذه الطباع وهذا السلوك .
سقف نقد الناصرية وتفكيك الأساس الأخلاقي لها
إن الأستاذ محمد الصباغ في زيارته الجديدة للتاريخ قد تخطي تماما كل الانتقادات التي وجهها قبل 25 عام الكاتب الراحل محمد جلال كشك في كتابه الأشهر ( كلمتي للمغفلين ) وإن كان جيلي قد ظن في وقت من الأوقات أن ما جاء في هذا الكتاب هو سقف نقد الناصرية، ولكن من يستمع لما يورده الأستاذ محمد الصباغ حول الطبائع الشخصية وما ارتبط بها من سلوك لجمال عبد الناصر والمجموعة المحيطة به، وهو سلوك استدل عليه الأستاذ محمد الصباغ من مذكرات أقرب معاونيه، ومنهم شمس بدران، يجد أن الأستاذ محمد الصباغ لم يكتفي مثل كشك بانتقاد عبد الناصر والحقبة الناصرية فحسب، بل أن الأستاذ محمد الصباغ قد قام بتفكيك كل أساس أخلاقي يمكن أن تكون الحقبة الناصرية وفترة حكم عبد الناصر قد بنيت عليها شرعية زعامة عبد الناصر لمصر وللعالم العربي، وإن صحت هذه الشهادات، فإن ما جاء فيها ينطوي على ما يمكن اعتباره سلوك لا يمكن قبوله ممن يعمل في العمل العام، فضلا عن زعامته المزعومة لمصر وللعالم العربي .
إرتباط جمال عبد الناصر بتنظيم الفريق محمد حيدر
ولكن أبرز ما ورد في الشهادة التاريخية التي أدلى بها الأستاذ محمد الصباغ فيما نقله هو ما أشار له من ارتباط جمال عبد الناصر بتنظيم سري كان يقوده الفريق محمد حيدر، وهو آخر وزير دفاع في عهد الملك فاروق، ونحن لدينا أدلة تاريخية قدمها لنا الرئيس الراحل محمد أنور السادات نفسه بأنه عادة للخدمة العسكرية بأمر من الفريق محمد حيدر نفسه، وأن السادات كان من ضباط الحرس الحديدي الذي أسسه يوسف رشاد بأمر من الملك فاروق وضم إليه آخرين، ويبقى لنا أن نتساؤل إن كان الفريق محمد حيدر ضم عبد الناصر والسادات لتنظيمه السري لحماية الملك ولم يضم لنفس التنظيم عبد الحكيم عامر وهو ابن شقيقته ؟ وقد يكون ما كشف عنه الأستاذ محمد الصباغ من ارتباط عبد الناصر بالفريق محمد حيدر وتنظيمه السري ما يقدم لنا خيوط إن اكتملت قد تقودنا في النهاية لتأكيد أو نفي فرضية تاريخية إن صحت سوف تعيد كتابة تاريخ مصر الحديث، وهى فرضية أن الحرس الحديدي نفسه هو تنظيم الضباط الأحرار .