لا تزال صفحات مجهولة من تاريخ مصر وهى صفحات إن كتبت بحيادية سوف تكشف عن لعبة كبيرة عشنا فيها كلنا طوال حقبة تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من هذا القرن وحتى سقوط نظام حسني مبارك، لقد صنعوا لنا أحزابا زائفة وجعلوا لها سقفا يسمح بأن تقوم هذه الأحزاب الزائفة بدون ( المغناطيس) الذي يجذب حوله ما تبعثر من شوارد المعادن، وهو نفس الدور الذي لعبته هذه الأحزاب الزائفة لتعطي النظام السياسي في ذلك الوقت رئة يتنفس بها ويستمر بها، والتف شباب جيلي ، بل وشيوخهم حول هذه الأحزاب الزائفة لنكتشف في نهاية المسار أننا كلنا مثل شوارد المعادن التي تلتقطها أقطاب المغناطيس لنصبح باستمرار تحت المراقبة وتحت السيطرة، أعلم أنه من الصعوبة بمكان الوصول لكل حقائق هذه الصفحات المجهولة من تاريخ مصر وما تنطوي عليه من أصنام سياسية سقطت بعد أن انتهى دورها، وسقط معها سحب الوهم الكبير التي عشنا تحتها واكتشفنا في نهاية المطاف أننا لم نكن أكثر من شوارد المعادن المتناثرة، وكانت هذه الأحزاب الزائفة وصحفها، ومن بينهم صحيفة شهيرة كانت توزع أرقاما بمئات الالاف وتصدر يومين من مقرها المجاور للمدرسة الخديوية، وكان بعضنا من طلاب المدرسة الخديوية الأبرياء المخدوعين في هذه الصحيفة وغيرها نستبق لنشتري نسخ الصحيفة قبل أن تنفذ من أيدي باعة الصحف.
خيانة من يسمون أنفسهم بالصفوة السياسية للجماهير التي انخدعت بهم
لقد كنت دوما أشعر بمرارة في حلقي وأنا أكتشف كل يوم خيانة من يسمون أنفسهم بالصفوة السياسية للجماهير التي انخدعت بهم، وكانت هذه المرارة في حلقي مثل الوقود الذي يدفعني للبحث عن الحقيقة، وكنت التمس الحقيقة عند كل من يملك ولو جزء منها، أذكر وأنا طالب في فصل المتفوقين بالمدرسة الخديوية أنني أشرت لمدرس اللغة الإنجليزية الأثير لدينا الاستاذ خليفة لملاحظة أن لافتة الحزب في المبنى المجاور للمدرسة مكتوب عليها صفة الحزب أنه (اشتراكي ) بينما صحيفته تنطق بخطاب اسلامي، وكان أن ثمن هذه الملاحظة، ولكن لم أدرك بعدها أني سوف أظل لسنوات ادفع ثمن هذه الملاحظة مرارة في حلقي من الأحزاب الزائفة والسياسيين الزائفين، ومن حسن حظي أني وجدت في الكتاب المظلوم ،، ثلاثون عاما من التشرد ،، الصادر عام 2017 للمفكر الإسلامي الكبير محمد إبراهيم مبروك صاحب عشرات المؤلفات وجدت فيه جزءا من هذه الحقيقة
مفكر اقتصادي وزعيم سياسي شهير له مكانته الكبيرة لدى التيار الماركسي
وهذا مختصر الأحداث التي قرأتها حول هذه الصفحة المجهولة من تاريخ مصر مما جاء في كتابه المظلوم 30 عاما من التشرد
،، يا بني أنا سعيد إني تعرفت عليك. فوقفت مذهولاً ألاحق يده الممدودة لي قائلاً : - شكرًا جدًا كانت المرة الأولي التي أقابل فيها شخصية بهذا الوزن وهذه المكانة ثم كانت المفاجأة أن ألقى منها هذا التقدير الكبير والحفاوة البالغة. كنت حينذاك في الخامسة والعشرين من العمر وقد نشرت قدرًا كبيرًا من المقالات في عدد من الصحف والمجلات المحترمة بمساحات كبيرة. ولكن بمتابعتي للواقع الثقافي حينذاك رصدت أنه توجد صفحة لنشر الأفكار في هذه الجريدة ـ والتي كانت رائجة للغاية في ذاك الوقت لدرجة تجاوزها انتشار الصحف القومية نفسها ، بعد ذلك بسنوات قلائل - يكتب فيها أشهر كتاب الفكر في العالم العربي والإسلاميين منهم علي وجه خاص في ذلك الوقت ويتابعها الناس باهتمام شديد. وكان النشر لي في تلك الصفحة بمثابة إعلان ببدأ ميلادي كمفكر ، وكان أملي أن يحدث ذلك بعد جهد جهيد لا أن أتلقى هذا التقدير والحفاوة من هذه الشخصية بتلك السرعة و الذين لا يتمثلان فقط فيما حدث في لقائه معي ولكن في نشره للمقالة التي تقدمت له بها في لقائي معه يوم الخميس في تلك الصفحة في العدد الجديد في الثلاثاء التالي مباشرة وهذا أمر صعب تكنيكيًا في الجرائد الأسبوعية التي تكون الصفحات الثابتة فيها كصفحات الفكر قد تم تحديدها من أول يوم في الأسبوع أو حتى أثناء إعداد الأعداد السابقة، ناهيك عن تقديمه مقالي علي مقالات كبار الكتاب الذين يتكالبون علي النشر في تلك الصفحة. أما الشخصية التي نحن بصددها فهي شخصية مفكر اقتصادي وزعيم سياسي شهير كانت له مكانته الكبيرة لدى التيار الماركسي وهو في تلك اللحظة في مرحلة تحول إلي التوجه الإسلامي، ورأت القيادة التاريخية لواحد من أكبر أحزاب المعارضة أنه من المناسب أن يكون هو علي رئاسة تحرير جريدة الحزب في تلك المرحلة التي يتم فيها تحول الحزب نفسه من الاشتراكية إلى الإسلام تلقائيًا أدى هذا التقدير والحفاوة واستمرار النشر وتعدد اللقاءات إلي نشوء علاقة مودة بيننا ، بل يمكن القول إنها آلت إلي ترابط حميم بيننا حتى غدا مجرد وجودي بالجريدة مؤذنا لي بالدخول إلي مكتبه.. بل واستمرار وجودي بالمكتب وهو يمارس عمله. وكان هذا لافتًا لنظر الصحفيين والكتاب والسياسيين الذين كانوا ينتظرون عند أبواب هذا المكتب، ويمكن القول أن الكثيرين من كبار الكتاب والزعماء والسياسيين ـ علي فرض أنهم كذلك - الذين نعرفهم الآن في الداخل والخارج كانوا يقفون علي أبواب هذا الرجل، إن لم يكن في ذلك الوقت تحديدًا فبعده بسنوات
قليلة على الأقل
حمدي زعتر أستاذ مساعد جامعي في تخصص علمي تطبيقي
استمر نشر الزعيم لمقالاتي بنفس الحفاوة وكان يدعوني لحضور المحاضرات التي يلقيها لكوادر الحزب ويقول لهم اذا لم اكن حاضرا فإن هذا الشاب ينوب عني .تم دعوتي للانضمام للحزب بإلحاح بالغ أصابني بالقلق على نشر مقالاتي.وعندها قلت له لا ادري هل فكر الحزب يتفق مع فكري أم لا فقال لي ليس عندنا الآن شيئا جاهزا تعالى واصنعه معنا ،، وهذه نقطة هامة جدا من حيث الحفاظ على اصوليتي ،،
كان هذا عام 87 ومنذ عام 89 حتى عام 94 تدفق اصدار كتبي ،،ستة كتب. ،، من الاسلام النفعي إلى المواجهة والتي لاقت حفاوة واهتماما بالغا من المفكر بما فيهم الزعيم نفسه ولكنها أدت من ناحية أخرى إلى ان ينتابه القلق فعمل على التضييق علي منذ رت أوائل التسعينات وكانت وسيلته في شخصين هما حمدي زعتر وهو أستاذ مساعد جامعي في تخصص علمي تطبيقي ،، ولا تدري لماذا أهمل هذا الشخص تخصصه العلمي واندفع نحو الطموح السياسي ،، وعلى الرغم من سطحية الرجل الثقافية فلكونه ملتحيا وجد الزعيم فيه الزعيم عباءة جيدة للحزب فعينه على الفور امن مساعد للحزب ،، كان الزعيم قد أضحى هو الامين العام منذ أوائل التسعينات وثم المتحكم فيه تماما عمليا ،، وكان دور هذا الشخص اجهاض اي دور فاعل لي في الحزب ولم يكن هذا الأمر يهمني في شيء لأنى كنت مستغرقا تماما حينذاك في موضوعي العاطفي .
صدور قانون تأجير الأراضي الزراعية والاحتفال العالمي بابن رشد
اما الشخص الاخر فهو العروسي وهو صحفي إداري في الجريدة وكان بعض زملائه القدامى يسمونه المجوسي ويقولون انه رغم الالتحاء الظاهري ليس له ملة إلا المصلحة والذي حدث ان مقالاتي غدت تؤجل أو تحذف او تقص وافتعلت المشاكل واكاد اتسول نشر المقالات في الجريدة ومن العجيب ان أحد تلاميذ الدكتور عبد الوهاب المسيري أبلغني في هذه الأثناء انه قال امامهم : ،، انهم يصنعون المشاكل مع محمد مبروك لان له مشروعا فكريا وهم ليس لهم مشروعا فكريا ،، فتسائلت . ومن أين جاء علمه بما يحدث
من ناحية أخرى فقد غدا الزعيم منذ أواسط التسعينات هو الزعيم الفعلي للمعارضة المصرية كلها وذلك من خلال مقالاته التحليلية والنارية في نفس الوقت . واستمرت نفس المضايقات لي حتى عام 97 وهو الذي حدثت فيه أزمتي الشخصية التي نتج عنها إنهاء موضوعي العاطفي وخسارتي كل ما أملك فالتجأت إلى الزعيم يسندني ماديا وبالفعل قام بمساندتي بتفاهة تجعلني أظل واقفا على قدم واحدة وقد بدا على الزعيم قلقه الشديد مني بدرجة لا تنكر وكأنه يقول في نفسه وكيف ستكون قدرته الفكرية الآن بعد ان تخلص من موضوعه العاطفي ورغم كل ذلك تصديت لثلاثة قضايا فكرية فرضتها الظروف لم يستطع هو التصدي لها نظرا لضعف تراكمه المعرفي الإسلامي وهذه القضايا هي ،، صدور قانون تأجير الأراضي الزراعية وكان الأمر يتطلب تحديد موقف إسلامي من الموضوع فكتبت في الموضوع كتيبا ،، بالمناسبة كان راي مخالفا للإخوان ،، وبدأت أنشر منه مقالات في الصحف الأخرى ،، اما القضية الثانية فهي الاحتفال العالمي بابن رشد والتسويق له كمرجعية إسلامية فأقمت مؤتمرا حول الموضوع وكنت أحد المتحدثين فيه وتحدثت عن كونه ليس مرجعية اسلامية وانما علمانية هذا عام 97. ،، أما القضية الثالثة فهي الترويج العالمي لموضوع العولمة فاقمت اول موتمر في العالم العربي عن موضوع الإسلام والعولمة بالاتفاق مع الأمين العام وكانا كلانا متحدثين فيه وكان الأمين العام في حيرة بين خسارة المؤتمر وبين أن يعني ذلك مكسبا كبيرا لي وتحدثت عن كونه ليس مرجعية اسلامية وانما علمانية هذا عام 97. وتحدثت عن كونه ليس مرجعية اسلامية وانما علمانية هذا عام 97. ،، أما القضية الثالثة فهي الترويج العالمي لموضوع العولمة فاقمت اول مؤتمر في العالم العربي عن موضوع الاسلام والعولمة بالاتفاق مع الأمين العام وكانا كلانا متحدثين فيه وكان الامين العام في حيرة بين خسارة المؤتمر وبين أن يعني ذلك مكسبا كبيرا لي فالتجأ إلى حيلة قذرة ,, ولذلك المؤتمر قصة تستحق أن تروى .
كنا في اليوم الثاني من المؤتمر وفي الجلسة الثانية والتي مقررا التحدث فيها الدكتور المسيري والدكتور عبد المنعم البري والدكتور أحمد عبد الرحمن ،، ارسل ورقة قرأها عنه عضو لجنة عليا للحزب ،، وشخصي
الزعيم هو المسيطر علي كل صغيرة وكبيرة في الحزب
بعد ان اجتمع الحاضرون عند اللحظة الأولى من الجلسة حدث التالي :
وفجأة ظهر حمدى زعتر أمين مساعد الحزب ومعه اثنان من أعضاء اللجنة العليا له وهما استاذان جامعيان كبيرا السن والحجم وكلاهما منهما برتبة عميد كلية ، هذا إن لم يكن قد تولي العمادة بالفعل وكان أحدهما يتبع التيار إياه ويزعم انفصاله عنه ، مصطحبين معهم من؟ العروسي !!!.. وإذ بزعتر يقول : الأستاذ العروسي له كلمة يلقيها في المؤتمر .. أتفضل يا أستاذ عروسي ، خذ مكانك بين المحاضرين.
كل الأشياء وكل أجزاء الصورة جمعت أمامي في أقل من الفونتو ثانية لقد قرر الزعيم البتر التام لي لكي يرتاح من هذا الورم المتضخم الذي أمثله له ، أما هذا الصعود الأخير الذي يمثله نجاحي في هذا المؤتمر فيعمل على القضاء عليه بضربة واحدة وذلك بإقحام أشد أعدائي واكثرهم حقارة في المشاركة بأهم جلسات المؤتمر وإعطائه من المكانة ما هو يصغر أمامها بآلاف المرات، وإظهاري بذلك أمام الجميع خصوصًا المحاضرين والصحفيين الموجودين في القاعة أنى لا أملك من أمر المؤتمر شئ وأنى لست مديره ولا الداعي إليه ولا يحزنون، وإنما دوري هو مجرد سكرتير ينوب عن الأمين العام. وليس هناك أية أى ثانية من الوقت للتفكير ولا حاجة لذلك من الأصل، فالعروسي يصعد بالفعل إلي منصة المحاضرين. خرج صوتي الممتلئ غضبًا: إنزل مكانك ثم متجها علي الفور إلي زعتر وأنا أقول - كيف يحدث ذلك وقد اتفقت وقد اشترطت على الأمين العام عدم تدخل العروسي من قريب أو بعيد في المؤتمر كصحفي فكيف يشارك فيه كمحاضر.
رد زعتر :
نحن أتينا إلي هنا من بيت الأمين العام وهو الذي قال لنا ذلك.
قلت: إذن الأمين العام هو الذي انقلب على اتفاقنا وأنا مدير هذا المؤتمر ولن يحدث فيه إلا ما تم الاتفاق عليه. اشتعلت القاعة توترًا بكل ما فيها سواء كانوا من الجمهور أو المحاضرين أو المتعاركين الوقوف ولكن لم يشأ أن يتدخل أحد ، فكل الموجودين إما أنهم من غير المرتبطين بالحزب ولا يفهمون ما يدور ولكن يشعرون أن هناك شيئًا ما وراءه دون أن يعرفوه. وإما قريبون من الحزب ويفهمون ما يحدث بالضبط، والقلة منهم التي هي ضدي يكفيها العناتلة الذين يقودون المعركة ، أما الغالبية من المرتبطين بالحزب المتعاطفة معي فأنى لها أن تنحاز إلي في معركة مثل هذه تقف فيها أغلب قيادات الحزب في جهة وشخصي الضعيف في الجهة الأخرى بينما يقبع الأمين العام خلف المشهد متأهبا لافتراس كل من تراوده فكرة الانحياز إلي بطرده خارج الحزب ومن ثم قطع كل ما يربطه به من المصالح طبعًا أقول مصالح وهل تتصور عزيزى القارئ أن هناك أى ارتباطات بمثل هذه الأحزاب إلا التعلق بالمصالح) أرجو ألا يكون استطرادي هذا عدم قطع حبل مواصلة ، هذه المواجهة المشتعلة والمتصاعدة التي كانت بينى وبين القيادات الثلاث في المؤتمر. رد علي هذه المرة أحد قيادات اللجنة العليا فقال بطريقة عسكرية آمرة: - إذا كنت أنت مدير المؤتمر فنحن قيادات الحزب والذي يقام المؤتمر فيه والأمين العام هو الذي فوضك بإدارته، وعليك أن تأتمر بأوامرنا رغم ان هذا الكلام حاز علي سخريتي ولكن الغضب من مجموع ما يحدث وخصوصًا من فجاجة الغدر الذي ينهى به الأمين العام العلاقة بيننا أقول كان الغضب قد أستبد بى تمامًا وبدأ صوتي يتهدج والأنفاس تتلاحق وصوتى يتقطع ويبح. قلت : هذا الكلام الذي تتحدث حضرتك عنه عليك أن تنفذه في أموركم الحزبية .. أما هذا المؤتمر ... فهو مجرد اتفاق بيني وبين الأمين العام... ويخرج عن هذه الأمور.
أراد حمدى زعتر القفز فوق هذا الجدل فقال مشيرا إلي العروسي. - الناس غير فاضيين لهذه الحوارات إصعد يا عروسى واجلس علي - المنصة. ،
- أقول لك لن تبدأ الجلسة .... إلا .. عندما ينزل .. من علي المنصة
زعتر: يا دكتور المسيرى أترك هذا الكلام الفارغ وابدأ محاضرتك (كان المقرر حسب جدول الجلسة أن يبدأ المسيرى أولاً). هنا حدثت الصاعقة التي أذهلت القاعة كلها . فقد قال الدكتور المسيرى لن أبدأ الجلسة إلا لو أذن لي الأستاذ مبروك. وبعد أن حاولوا امتصاص الصدمة قالوا له: حضرتك يا دكتور قد أتيت إلي المؤتمر استجابة للحزب أم استجابة لمبروك. لقد أتيت استجابة للأستاذ مبروك لا الحزب. ضجت القاعة باللغط و قوي صوتى مرة أخرى عندما صحت قلت لكم لن تبدأ الجلسة إلا بعد نزول العروسي قولوا للشخص هذا أن ينزل. توجه حمدي زعتر بالحديث إلي الدكتور عبد المنعم البرى اعتقادا منه أنه قد وجد حلا. اتكلم أنت يا دكتور بري.
فقل الدكتور عبد المنعم البري : لن أتحدث إلا لو أذن لي الأستاذ مبروك. حلقت الدهشة فوق وجوه الحاضرين.
قال زعتر : يا دكتور برى هل أتيت إلي هنا من أجل الحزب أم من أجل مبروك. رد الدكتور البري :أتيت هنا من أجل الأستاذ مبروك. أرتفع اللغط في القاعة بينما صحت أنا :
- أنتم تكسرون كل قواعد اللياقة والنظام. النظام هو ما يحدده الحزب ونحن ننفذ أوامر أمين عام الحزب. الأمين العام هو الذي غدر باتفاقي معه وهو يحاول بتلك المكيدة أن يجعل منى أراجوز
قالت قيادة منهما : أحذر من الكلام الذي تقوله ، أنت عضو في الحزب ونحن قياداته ونأمرك أن تنفذ كلامنا .
قلت : حزب أي حزب هذا الذي تتحدثون عنه ؟!، هـذا أمر لا يهمني في شئ اعتبروني مستقيلا بعد نهاية هذه الجلسة. بين اللغط القائم توجه إليهم الدكتور المسيري بالحديث بلكنة شديدة الترفع.
- اسمعوا ما أقوله أنا رجل برجوازي وأعيش حياة برجوازية، وليس لدى استعداد أن أتحمل هذا التهريج بينما توجه الدكتور البرى لنا جميعًا قائلا : يا جماعة غير معقول هذا الذي يحدث يجب أن تتفقوا علي حل. قام بعض الحاضرين من الجمهور عمليا باقتراح حل للخروج من المشكلة بأن أتوا بكرسي وطاولة صغيرة ووضعوهما أسفل المنصة وقالوا للعروسي: فلتجلس هنا.
الزعيم أراد السخرية من فكر المسيرى صديقه القديم
يبقى شيء واحد أود الإشارة إليه في هذا المشهد ، وهو ملاحظة لا أعتقد أن أحدًا أنتبه لها سواي أنا والدكتور المسيري في كلمة العروسي التي قرأها من ورقة سبق تحضيرها ، نظرًا لما اعتقده من استهانة الحاضرين. بكلمته بسبب الصورة التي ظهر بها في هذا المشهد. هذه الملاحظة هي أن كلمة العروسي المكتوبة أي التي سبق تحضيرها دون أن يرتبط ذلك بما حدث في الجلسة تكاد تكون موجهة للسخرية من فكر المسيري، فالعروسي واحد من مجموعة سطحية التفكير ويعيب هؤلاء علي المسيري عمق فكره الذي يكشف سطحيتهم فأقصى ما يستطيعونه خصوصا تلك الكاتبة هو كتابة مقال حماسي ذي بلاغة جيدة،. الأهم من كل هذا أنه يستحيل عقلاً أن كل هذه المؤامرة قد حيكت دون أن يعلم السيد الزعيم الأمين العام أن الفحوى الأساسية من ورقة العروسى التي تم تحضيرها مسبقًا هو السخرية من فكر المسيرى صديقه القديم. أما العروسي فقد أضحى الآن أحد منظري شاشات المعارضة في الخارج يمارس فيها تحليلاته البلاغية ومتاجرته بأوهام الجماهير وتنبؤاته السياسية الخطيرة التي لا تسفر عن شئ ذا بال في النهاية. انتهى المؤتمر وانفض الجمع ، وما كان لمثلي أن يفكر في العودة فيما أعلنه أمام الجميع من تعهده بقطع علاقته بالحزب بعد المؤتمر. ولكن الفكرة التي راودتنى هي مقابلة الزعامة التاريخية لإطلاعه علي الأحداث كلها لا لقدرته علي إنصافي وإنما كيدًا في الزعيم لا أكثر بإعطاء الزعامة التاريخية أوضح صورة لما أنزلق إليه الزعيم. - الذي شارك بالقدر الأكبر في صنعه ـ من تآمر مسف. طبعًا لأن الزعيم هو المسيطر علي كل صغيرة وكبيرة في الحزب فقد أبلغته سكرتارية الزعامة التاريخية عزمى مقابلته وكيف أنهم موهوا علي مواعيد حضوره في زيارتي التالية للجريدة بعد الذي حدث في المؤتمر بادرني أحد الصحافيين بالقول: - أعلمت الذي كتبته الأهالي عن المؤتمر لقد قالوا أن أهم محاضرتين فيه هي محاضرة المسيري ومحاضرتك وعلي هذا فالأستاذ كامل أمين صار شكله وحش قوي. في زيارتى التالية هذه لمقابلة الزعامة التاريخية مررت أيضًا علي الجريدة والتى هي تقع بالدور الأسفل من الدور الذي يقع فيه الحزب بنفس المبنى للتحدث العادي مع بعض أصدقائي فيها ، شعرت بجو من التوتر تجاهي يسود الجميع والذين يتحدثون معى يتحدثون بقدر من التحفظ ، لم تمض لحظات حتى فوجئت بالعروسي يحاول خنقي من الخلف وإلقائي علي الأرض أعترف أنه ما كان يخطر في تصوري أن الموضوع سيبلغ هذا المدى من الابتذال ، كان العروسي هزيلا جسمانيا وما جرأه على فعل أمر كهذا إلا ما يمور داخله من حقد واستناده علي دعم الزعيم ، لم أحتج إلا لحركة بسيطة لأتخلص منه وألقى به علي الأرض وأنا أصرخ فيه ماذا تفعل أيها المجنون؟! يحدث هذا بينما يشاهد الصحفيون الموجودون في المكان ما يقع في صمت تام دون حركة. جاء صحافيان من الغرف المجاورة أحدهما كبير السن له صلة قرابة قوية بالزعيم والآخر شاب أظنه من التيار إياه، وهما يصيحان: أتفضل أخرج من هنا ، أنت شخص غير مرغوب في وجوده. نصحني بعض الصحافيين القريبين منى بالخروج بعيون لا تحتاج أن تقول إن الأمر مبيت له ومحكوم.
- قلت: أنا كنت أسلم فقط علي أصدقائي ، ومن قال لكما إني أريد التواجد أصلاً، سأخرج أنا لحالي. أمسك بتلابيبي قريب الزعيم وهو يقول: - لا ستخرج بالغصب عنك. أمسك بتلابيبي أحد السعاة الأشداء عاملا علي حملي إلي الخارج. كانت المقاومة معناها الإصرار علي الاستمرار في معركة بدنية لا طائل من ورائها وذات خسائر كبيرة. أما من الناحية الأدبية فالأمر كله يلحق أشد الإساءة بهم لا بى، ومن ثم لم أقاوم. تعالت الضحكات من الداخل معلنة الانتصار الكبير لفريق الزعيم. لم تمر بضعة أيام حتى علمت أن مجموعة تلاميذ المسيري المرتبطة بالحزب قد ثارت جدًا عندما علمت بما حدث من اعتداء علي، لكن الطريف أن أحد أثنين ( طالب دكتوراه غدا بعد ذلك بعقد ونصف وزيرا في أحد الحكومات المصرية، والآخر مستثمر صغير خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وأحد أبطال مصر السابقين في رياضة الجودو) أو كلاهما معًا قد اقترحا وجوب الرد علي ما حدث بالاعتداء علي الزعيم نفسه ليس تضامنًا فقط ولكن باعتبار أن الاعتداء معي الذي وقع علي هو بمثابة اعتداء علي كل المثقفين المرتبطين بالحزب، وعندما علمت بذلك لمته أو لمتهما عليه. فمن غير المعقول أن نعتدي علي رجل كبير في السن، كما أننا إذا فعلنا ما يفعلون فما الفرق بيننا وبينهم. في إحدى محاولاتي للخروج من بوتقة الزعيم
- عام ست وتسعين توجهت بمقالة ضخمة هي مختصر كتيبى نظرية الفن الإسلامي) إلي جريدة الحياة اللندنية كان من فرج الله لي أن رئيس مكتبها حينذاك كان الدكتور وحيد عبد المجيد المفكر الليبرالي الشهير. استقبلني الرجل استقبالاً جيدًا فسألته : - هل حضرتك تعرفني. طبعًا. لم تمض مدة طويلة حتى نشرت المقالة في حوالي نصف صفحة ، وبمكافأة مالية كانت بالنسبة لي حينذاك حلم من الأحلام، ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي يفسح فيها الدكتور عبد المجيد لي المجال ولم يمض عامان او ثلاث حتي كنت انشر في بعض اكبر الجرائد والمجلات العربية وبعضها العالمية، واذ بي اقابل احد الصحفيين اللصيقين بالزعيم وبعد سلامه لي قلت له قل لزعيمك ها هو فعل ما فعل من مؤامرة وها أنا اكتب الان في جرائد لم يستطع ان يكتب هو فيها ،،
- هذا ملخص ما كتبه الاستاذ مبلد روك عن الموضوع ما اراه ان المقصود بالزعيم كامل آمين هو المفكر الراحل عادل حسين امين عام حزب العمل في التسعينات .