اعلان

محمد مختار يكتب : مذكرات صحفي تحت التمرين ( 1 )

المدرسة الخديوية
المدرسة الخديوية

في أحد أيام الأحاد، وفي الحي العريق الدرب الأحمر التي كانت محلاته وورشه تغلق في كل يوم أحد ، ظهر في حياتي 'الجورنال'. لا أذكر في أي عام بالضبط، لكن كنت قد وصلت إلى مرحلة في الدراسة الابتدائية أستطيع فيها القراءة بشكل صحيح. وكان التعليم المجاني في هذا الوقت من الجدارة بمكان أن يؤهل طفلاً صغيراً لم ينتهِ من تعليمه الابتدائي لأن يقرأ بشكل صحيح، بصرف النظر عن الفهم الكامل لما يقرأه. كانت بعض الأسر في هذا الوقت تشتري صحيفة الأخبار يوم الأحد لتحصل على خريطة برامج التليفزيون الذي كان يقتصر على قناتين: القناة الأولى والقناة الثانية. كنا نحتفظ بصفحتي المنتصف في جريدة الأخبار لنعرف ما سوف تبثه القناة الأولى من حلقات المسلسل العربي، ومباراة كرة القدم يوم الجمعة. تدريجياً، انتقلت عيون الطفل الصغير من صفحة خريطة برامج التليفزيون إلى صفحات أخرى، وعندما كبر الطفل قليلاً وانتقل من مدرسة دار السعادة الابتدائية إلى مدرسة جوهر الصقلي الإعدادية المجاورة.

عم سيد بائع الصحف عند بوابة المتولي

كان هذا الطفل قد اعتاد شراء مجلات سمير وميكي من عم سيد، عليه رحمة الله، بائع الصحف عند بوابة المتولي. وأذكر في هذه الفترة أن دار الهلال أصدرت أول وأخيرة تجربة صحفية لـ(جورنال) موجهة للأطفال كان اسمه (وسام)، وكانت تجربة قصيرة لم يكتب لها النجاح. وبعد أن انتقل الطفل إلى المدرسة الثانوية الخديوية كان قد أدمن شراء معظم الصحف تقريبًا في حدود ما يسمح به مصروفه الصغير، وتعلق بمقالات قامات من كتاب الأعمدة الصحفية في ذلك الوقت. لكن لا أعرف هل حسن حظ أم سوء حظ أن المدرسة الثانوية الخديوية كانت ملاصقة لمقر حزب العمل وجريدة الشعب. وكان لنا زميل في نفس الفصل يسكن في نفس العمارة، ووجدت نفسي مع آخرين، بدون قصد من طلاب الخديوية، نحضر بعض ندوات الحزب، ثم نشتري جريدة الشعب الناطقة باسمه لنقرأ لمن نسمع لهم من المتحدثين في هذه الندوات. وفي طالت قامة الطفل، وبدون أن أشعر، تحولت من طالب يتنافس على المراكز الأولى في فصل المتفوقين بالمدرسة الخديوية إلى مدمن صحافة وسياسة ينفق نهاره في قراءة ما يتيسر له شراءه من صحف ومجلات. وفي جولة على سور الأزبكية الشهير في مكانه الأصلي في العتبة، اشتريت لأول مرة أعدادًا من مجلتي نيوزويك وتايم. ولحسن الحظ كان مدرسنا في هذا الوقت الأستاذ خليفة حسن يشجعنا على الترجمة وقراءة النصوص خارج المقرر، فتكشف لي عالم جديد يختلف تمامًا عن العالم الذي كنت اطلع عليه في الصحف المصرية سواء صحفًا حكومية أو حزبية.

أرشيف من الموضوعات والصور بدون سابق خبرة

بعدها عرفت طرقًا للحصول على المجلات الشهيرة التي تصدر في الغرب بأسعار مخفضة، وتدريجياً عرفت الطريق إلى المراكز الثقافية التي كانت تتيح هذه الصحف مجانًا. كنت أشعر طوال الوقت أني يجب أن أكون جزءًا من هذه الصحف. في البداية، تعرفت على وزررت صحفيًا راحلًا في مكتب مجلة كويتية كان يديرها في منطقة وسط القاهرة، خلف شارع بمنطقة في التوفيقية اشتهرت بمسارحها الاستعراضية. وقدمت له محاولة ساذجة للكتابة الصحفية، واستمع لي الرجل بتواضع وقبول ولم يغلق الباب أمامي. وأسبوعًا بعد أسبوع وشهرًا بعد شهر، تراكم عندي عدد غير محدود من صحف ومجلات مختلفة باللغة العربية واللغة الإنجليزية، ووجدت نفسي، بدون خبرة سابقة، منغمسًا في صنع أرشيف من الموضوعات والصور على أمل أني سوف أستفيد منها في يوم من الأيام.'

زين العابدين توفيق .. ورئيس تحرير جريدة مصر الفتاة

ومع مرور هذه الأسابيع، لم تتراكم الصحف والمجلات فقط في غرفتي الصغيرة في مسكني البسيط، بل إن الأسابيع التي مرت وضعتني فجأة أمام امتحان الثانوية العامة، ثم أمام مكتب التنسيق. وهناك وجدت مذيع الجزيرة الشهير زين العابدين توفيق، وكان طالباً في كلية الإعلام مع شخص آخر أصبح أستاذاً للإعلام في جامعة حكومية. وكانا من بين أعضاء اتحاد كلية الإعلام الذين يستقبلون الطلاب الجدد قبل الكشف الطبي. وسمعت من زين وسمع مني بابتسامته ورصانته التي يعرفها الملايين الآن حول العالم. وفي كلية الإعلام، وكانت كلية واحدة في ذلك الوقت على مستوى مصر، وجدت نفسي لأول مرة على مرمى حجر من المجتمع الصحفي. وبعدها بفترة قصيرة، التحقت بالتدريب لأول مرة في صحيفة حزبية لأجد نفس الصحفي الكبير الذي استقبلني في مكتب المجلة الكويتية هو نفسه شقيق رئيس التحرير الذي كان من حظي (..) أنه كان أول رئيس أعمل معه في صحيفة حملت اسم حزب مصر الفتاة! وكانت لهذه الفترة قصة تفاصيلها أغرب من الخيال!

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً