اعلان

محمد مختار يكتب : مذكرات صحفي تحت التمرين - 4 .. الشاطرة تغزل برجل حمارة !

نموذج لتنوع وثراء صفحة الأخبار في عدد جريدة مصر الفتاة الصادر في 6 إبريل سنة 1992
نموذج لتنوع وثراء صفحة الأخبار في عدد جريدة مصر الفتاة الصادر في 6 إبريل سنة 1992

كانت تقاليد الصحف الأسبوعية أن يكون يوم صدور العدد الأسبوعي هو نفس يوم اجتماع التحرير للنقاش حول العدد الصادر. لم يكن الحضور في اجتماع التحرير خيارًا يمكن لأي محرر أن يتجاهله، بل كان إجباريًا إلا في حالات استثنائية يقدرها رئيس القسم الذي يتبعه المحرر. وغالباً ما كانت هذه الظروف ترفض إلا إذا كانت لا ترتبط بظروف العمل. وكان من المفترض أن يخضع العدد الصادر لنقدٍ بناء لتدارك أي نقص أو نقاط ضعف فيه، وأن يعرض كل محرر أفكاره وما لديه من توقعات بشأن ما سيقدمه في العدد الجديد. كان من حسن حظي أنني كنت أدرس في كلية الإعلام في فترة لم تكن هناك كلية للإعلام في مصر إلا كلية واحدة فقط على مستوى مصر. وكان هذا يعطيني فرصةً ليس فقط لندمج بين ما نتلقاه من معارف في الكلية وبين ما نتلقاه من خبرات مهنية في صالات التحرير، بل وكان عددنا الصغير يعطينا فرصة للتواصل المباشر مع الأساتذة في الكلية وزيارة بعضهم بصورة شخصية للحصول على المزيد من الخبرة. وكنا شبابًا متحمسين بشكل لافت، وهو ما أعطانا فرصة استثنائية للدمج بين معارف قاعات المحاضرات وخبرات صالات التحرير.

نموذج لتنوع وثراء صفحة الأخبار في عدد جريدة مصر الفتاة الصادر في 6 إبريل سنة 1992نموذج لتنوع وثراء صفحة الأخبار في عدد جريدة مصر الفتاة الصادر في 6 إبريل سنة 1992

الإصدار اليومي والأسبوعي .. صعوبة تزيد طرديا

كانت الخبرة الأساسية التي اكتسبتها من الاجتماعات الأولى في صالات التحرير هي أن العمل الصحفي يصبح أكثر صعوبة كلما طالت فترة الإصدار. فالعمل في الإصدار الأسبوعي أصعب من العمل في الإصدار اليومي، والعمل في الإصدار الشهري أصعب من العمل في الإصدار الأسبوعي، وهكذا. وعلى الرغم من أن هذه القاعدة تبدو لنا بديهية الآن، إلا أنها كانت معرفة مدهشة بالنسبة لشباب لا يملكون الحد الأدنى من الخبرة في ذلك الوقت. كنا نفكر مثل الهواة، ولم يكن هناك أفضل من خبرة اجتماعات صالات التحرير لنتعرف على صعوبة الكتابة للصحف الأسبوعية. ذلك لأن الفكرة التي يجب طرحها في اجتماع صحيفة أسبوعية يجب أن تكون قوية بما يكفي لتصمد لمدة أسبوع في ظل صدور الصحف اليومية الأخرى التي تحرق مئات الأفكار يوميًا وتحرم الإصدارات الأسبوعية منها.

مخاطرة يتحملها صحفي قسم الأخبار يتحملها بمفرده

في نفس الوقت كانت الصعوبة مضاعفة بالنسبة لقسم الأخبار، فمحرر الأخبار يجب في اجتماع القسم أن يطرح ما يتوقعه من أخبار سوف ينفرد بها من أخبار، ويواجه صحفي قسم الأخبار مخاطرة مزدوجة هي أنه سوف يكشف عن خبر قد يكون حصل عليه في شكل انفراد من مصدر فبمجرد كشف الخبر أو جانب منه سوف يخرج الخبر من دائرة الخصوصية التي يتكتمها الصحفي لدائرة أوسع، وحتى مع افتراض أن جميع من يسمع هذه التفاصيل سوف يتكتمون عليه، فإن المخاطرة الأخرى هو أن صحفي قسم الأخبار يخاطر بعلاقته مع المصدر نفسه إذا ما شاع الانفراد الذي قد يكون المصدر قد خصه به، وهى إشكالية لا حل لها إلا أن يتكتم صحفي الأخبار على ما لديه من انفرادات ولا يفصح عنها في صالات التحرير ولا في اجتماع التحرير، وأن يدلي بأفكار عن أخبار غير مؤكدة وحتي في بعض الحالات زائفة، وهي حيلة لم تكن رئيس القسم إن كان خبيرا، لكنه يمررها في صمت بشرط أن يقدم له صحفي الأخبار في وقت مناسب قبل الطباعة ما يبرر تمرير الأفكار الزائفة في الاجتماع الأسبوعي لقسم الأخبار، وهى حيلة تجعل من العمل في قسم الأخبار مخاطرة مستمرة خاصة إذا كان المحرر متدربا بدون مصدر مخصص له، ولكن لحسن الحظ أن القائمين على العمل الصحفي في جريدة مصر الفتاة في ذلك كانوا من الخبرة المهنية ما جعلهم متفهمين لذلك .

من البحرين للمغرب .. المصريون سادة صالات التحرير

كان الاجتماع الأسبوعي لقسم الأخبار في صحيفة 'مصر الفتاة' يوم الاثنين الساعة الثانية عشرة ظهراً، يرأس الاجتماع الأستاذ عادل السنوري. وبعد انتهاء الاجتماع كان يعقد اجتماع قسم التحقيقات برئاسة الأستاذ عماد الدين حسين. وكان بعض محرري قسم الأخبار يلتحقون باجتماع قسم التحقيقات، وهي ممارسة تكاد تنفرد بها الصحف المصرية ويمكن تفسيرها بالمثل الشعبي الرائج 'الشاطرة تغزل برجل حمارة'. وشهادتي للتاريخ أن الصحافة المصرية (شاطرة ) أشطر حتى من الصحافة في بعض الدول الغربية، وحتى وإن لم تتوفر لها نفس الإمكانيات وسقف الحرية كما يتوفر للصحف في الغرب،

فالصحف المصرية لم تكن تملك إمكانيات صحف دول أخرى عملت فيها بحيث توظف محررين مختلفين لكل أقسامها، ولكن في الغالب فإن الصحف المصرية التي كانت تصدر عن أحزاب ليس لديها التمويل الكافي لتوظيف محررين، لا حتى دفع رواتبهم بشكل منتظم، كانت تلجأ إلى توظيف نفس محرري قسم الأخبار للعمل في قسم التحقيقات، وهم نفسهم بالمناسبة الذين يحررون باقي الأقسام. ومع ذلك لا يمكن مقارنة محتوى الصحف المصرية على ضعف إمكانياتها بمحتوى أي صحيفة تتوفر لها كل المصادر المالية في الخليج أو حتى بعض الإصدارات اللبنانية التي لا ميزة لها إلا جودة طباعتها وتفوقها في الإخراج ولكن عند مقارنة المحتوى سنجد في النهاية أن المصريين هم سادة صالات التحرير في الصحافة العربية وهذا بدون أي مبالغة أو شعور بالتعالي ولكنها الحقيقة التي لمستها بعد أن كتبت في أكثر من 64 صحيفة من البحرين حتى المغرب، وهي حقيقة مثل الشمس الساطعة التي لا يمكن أبداً إنكارها وشاهد عليها ما رأيته بعيني من تسيد محرر الديسك المصري جميع صالات التحرير في كل الصحف التي عملت بها في هذه الدول، والفارق الكبير في الخبرة والمهارة بين محرر الديسك المصري وغيره من محرري الديسك من دول أخرى. وهي حقيقة قد تكلفني علاقات الود والصداقة مع عشرات الزملاء الذين عملت معهم في دول مختلفة لكنها شهادة للتاريخ وللأجيال لن أتردد في أن أدلي بها وأن أدفع ثمنها حتى وإن اتهمت بعدها بالشوفينية وهي تهمة غير حقيقية كما سيتضح وسوف أبرهن عليها في صفحات تالية.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً