محمد مختار يكتب مذكرات صحفي تحت التمرين ( 11 ) .. أسرار لن أكتبها أبداً عن محاكمة الدكتور سعد الدين إبراهيم

الاستاذ حامد المحامي
الاستاذ حامد المحامي

قد تكون أهم مغامرة صحفية لي هي وجودي، دون قصد مني، على قائمة الاتهام في قضية الدكتور سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون. وللأمانة، لو كان لي الاختيار في هذه السن المبكرة، لما اخترت أن أكون متهمًا في قضية تحقق فيها نيابة أمن الدولة وتفصل فيها محكمة جنايات أمن الدولة. ولكن بعد أن خرجت من الأزمة، وعندما أفكر فيما حدث، أجد أنني كنت، دون حول مني ولا قوة، في قلب أهم وأخطر قضية حقوقية في عصر مبارك، وكانت هذه القضية محل تغطية واهتمام ليس فقط من وسائل الإعلام حول العالم، بل كانت مثارًا لاهتمام حكومات ودول منها دولة عظمى هي الولايات المتحدة الأمريكية، على اعتبار أن المتهم الأول في هذه القضية هو مواطن أمريكي، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، بوصف أن أموال الاتحاد الأوروبي هي التي كان يحاكم عليها الدكتور سعد الدين إبراهيم، وطبقًا للأوراق فإن الاتحاد الأوروبي هو المجني عليه في هذه القضية. وفي كل جلسات المحاكمة، كان يحضر سفير اليونان بنفسه، على اعتبار أن اليونان كانت ترأس دورة الاتحاد الأوروبي في ذلك الوقت.

وأكثر من ذلك، أن هذه القضية ومصير الدكتور سعد الدين إبراهيم ورفاقه، كما كان يشار لنا في بيانات الاتحاد الأوروبي وتصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، تحولت إلى مجال سجال علني وتصريحات متبادلة على طريقة لعبة "بينج بونج" بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت، بيل كلينتون، وبين الرئيس المصري الراحل حسني مبارك. ولم أفهم أبدًا ماذا كانت نصائح مستشاري مبارك في هذه القضية التي جعلت نظامه مرمى الانتقادات من كل اتجاه. فلا أظن أن مبارك كان متمسكًا في هذا الوقت بمبدأ استقلال القضاء كما كان يرد في تصريحاته على تصريحات منتقديه، بل إنني على يقين من أن سلوك مبارك الشخصي في هذه القضية كان تعبيرًا عن صفة العناد الشديد التي كانت تتسم بها تصرفاته في كثير من المواقف.

وقد يكون الجيل الحالي من الشباب، ومن الصحفيين تحت التدريب الذين استهدف أن يصل هذا السرد إليهم ويقرأون هذه السيرة، لا يعرفون من هو الدكتور سعد الدين إبراهيم. فالدكتور سعد الدين إبراهيم، وقت نظر محاكمته في القضية الشهيرة التي ارتبطت باسمه، كان أهم عالم اجتماع يتحدث باللغة العربية في العالم، وهو صاحب الفضل في صك مصطلح "المجتمع المدني". ولهذا المصطلح وتداعيات صكه ثم إصدار مجلة شهرية تحمل اسم "المجتمع المدني"، كنتُ دوراً لا يستهان به في إصدارها، سر عميق لن أفصح عنه في الوقت الراهن، لكنني نبهت الدكتور سعد الدين إبراهيم إليه في لقاء منفرد بيني وبينه في مكتبه بالجامعة الأمريكية، وظننت أنه انتبه لأهمية ما لفت نظري إليه، وهي ملاحظة سوف أضيفها إلى صندوق الأسرار حول هذه القضية. ولكن في ذلك الوقت، وكان قد تحدد موعد لعقد أول جلسة محاكمة للدكتور سعد الدين إبراهيم ورفاقه، لم يكن هناك من حل إلا انتظار ما سوف تسفر عنه الأحداث.

وحتى على المستوى السياسي، لم يكن الدكتور سعد الدين إبراهيم في أي وقت معارضًا لنظام الرئيس مبارك، بل كان صديقًا لعائلة الرئيس في ذلك الوقت. وقد قام بدور كبير في أن تحصل زوجة مبارك على الماجستير في علم الاجتماع السياسي من الجامعة الأمريكية بحكم أنه كان أستاذًا لها ومشرفًا عليها. وكل مستشاري مبارك حتى وقت قصير قبل المحاكمة كانوا من أصدقاء الدكتور سعد الدين إبراهيم، بل إن مجلس أمناء مركز ابن خلدون وقت القبض على الدكتور سعد ومحاكمته كان يضم اثنين من الوزراء في الحكومة القائمة في ذلك الوقت، وهو نفسه كان ضمن دائرة ترشيحات الرئيس مبارك لاختياره رئيسًا للوزراء. كانت في شهادات النفي وشاهد الإثبات في القضية، وفيما قالوه من تفاصيل خلال جلسات مغلقة، تضمنت أسرارًا مذهلة، وأنا على يقين من أن هناك من دقق في أوراق القضية قبل أن تكون بحكم سير الإجراءات متاحة لمن يطلبها حتى يتأكد من خلوها لهذه الأسرار المذهلة. طبعًا لن أكتبها على الأقل حتى حين. وبالنسبة لي كانت شهادة شاهد الإثبات كوميدية، واستغلها الصديق العزيز المحامي الكبير الأستاذ حامد عبد النبي وصديق العمر المحامي العبقري ورفيقي من دار السعادة الابتدائية حتى فصل المتفوقين في المدرسة الخديوية الأستاذ حسن شقر المحامي، ليضمنا لي إخلاء السبيل. فعندما سأل فريق الدفاع عني شاهد الإثبات، الذي أصبح بعد ذلك من قيادات وزارة الداخلية، عن التحريات عني في القضية، أجاب شاهد الإثبات بأنه لا توجد أي تحريات عني. وعندما سأل فريق الدفاع شاهد الإثبات عن ما يعرفه عني قال إنه لا يعرف أي شيء.

وهنا قال الأستاذ حامد عبد النبي في تساؤل فجر موجة من الهمهمات في القاعة، "لا توجد تحريات عن محمد مختار ولا يعرف عنه شاهد الإثبات شيء طيب هو أصلاً هنا ليه؟!" وفوراً طلب الأستاذ صديق العمر حسن شقر من القاضي ندب خبير لبحث أوراق القضية، ولكن القاضي كان فيما يبدو غير مستعد لإحالة الدعوى للخبراء وقد يكون مرتبطًا بإجراءات وسقف زمني لإصدار حكم فطلب من فريق الدفاع عني التنازل عن طلباتهم. وأمام جميع من في القاعة حدث كما يحدث في المحاكمات الأمريكية التي نشاهدها في أفلام هوليوود، عقد الدفاع عني صفقة سريعة ليس لها أي صفة قانونية بأن يتنازل الدفاع عن طلب إحالة القضية لخبير مقابل إخلاء سبيلي من القضية وهو ما حدث بالفعل. لكن لحسن الحظ كان إخلاء السبيل بعد أن حضرت في القفص ورأيت وسمعت أسرارًا تدهش من يسمعها، وبعد أن يسمعها قد لا يصدق أنها حقيقة لولا أنها صدرت من فم من يعرفها ويملك الحديث عنها في حضرة هيئة المحكمة!"

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً