ليلة حزينة مرت أمس على كل من يؤمن بالحرية والحق والنبل والمساواة ، ففي إحدى أهم جولات الانتخابات الأمريكية في تاريخ الولايات المتحدة فاز دونالد ترامب بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ليعود مجددا للبيت الأبيض، وهي مفارقة أن يعود رئيس أمريكي سابق لمنصبه الذي يعتبر في حقيقة الأمر رئيسا للعالم كله، وليس للولايات المتحدة الأمريكية فقط، وترامب الفائز في الانتخابات هو عربيد وفقا لما وصفه به أقر المحيطون به، وصفه جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الاتحادي "أف بي آي" السابق، بأنه "غير لائق أخلاقي" لرئاسة الولايات المتحدة، ويعامل النساء كما لو كن "قطعا من اللحم".
أما الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "CIA" جون برينان الرئيس الأميركي، فوصف دونالد ترامب، واصفا سلوكه بغير الأخلاقي، والمجرد من المبادئ. أما منظمة Project Syndicate الأمريكية التي تضم أكثر من 500 مؤسسة إعلامية تشترك جميعا في أنها تعمل على نشر المعرفة مجانا، فقد قالت لوسي ب. ماركوس عن ترامب أنه (ارتُكبت مجموعة غير مسبوقة من الانتهاكات الأخلاقية، النابعة من مصالحه التجارية الدولية).
لقد كانت نتيجة الانتخابات الأمريكية بمثابة "بطاقة نجاة مجانية" من السجن، بحسب ما أورده موقع "أكسيوس"، إذ من المقرر أن يصدر حكم على الرئيس الأميركي السابق في 34 تهمة جنائية بعد ثلاثة أسابيع من يوم الانتخابات الرئاسية. وسوف يصدر القاضي خوان ميرشان حكمه بشأن طلب ترمب إسقاط الإدانة، استناداً إلى قرار المحكمة العليا المتعلق بالحصانة الرئاسية. وسجل ترامب غير الأخلاقي الذي يتعلق بالعنصرية والتمييز ليس وليد اليوم، وفي عام 1973، رَفعت وزارة العدل الأمريكية دعوى ضد مجموعة (ترامب مانجمنت)، دونالد ترامب ووالده فريد، بتهمة التمييز ضدّ السود في ممارسات الاستئجار. وكان الدّافع وراء هذه الدعوى هو رفض ترامب تأجير شقق في إحدى أبنيته للأميركيّين الأفارقة"، منتهكاً بذلك قانون الإسكان العادل.
وكتب جون أودونيل في كتابه (Trumped) الذي نشره عام 1991 عن دونالد ترامب قوله: «لدى محاسبون سود في قلعة ترامب، وفي ترامب بلازا لدى رجال سود يُحصون لي أموالي! أكره ذلك. النوع الوحيد من الناس الذين أريدهم أن يُحصوا أموالي هم الرجال قِصار القامة الذين يرتدون الطاقية اليهودية... هؤلاء فقط هم من أريد منهم إجراء الحسابات على أموالي. لا أحد آخر... زيادة على ذلك ، أقول لك شيئًا آخر. أعتقد أنّ الرجال السود الذين يعملون لديّ كسالى، وربما هذا ليس خطوة لأن الكسل هو سمة في السود.» واعترف دونالد ترامب بأن المعلومات الواردة في الكتاب «صحيحة على الأرجح» وذلك في مقابلة له في عام 1997، وفي عام 2013، قدّمت ولاية نيويورك دعوى مدنيّة بقيمة أربعين مليون دولار ضدّ جامعة ترامب مدّعيةَ أنّ الشركة قد أدلت بتصريحاتٍ كاذبة، وقامت بعمليّات احتيالٍ على المستهلكين.
كما رفعت دعاوى قضائيّة مدنيّة من الدرجة الثانية ضدّ ترامب شخصيّا وكذلك شركاته. انتقد ترامب خلال حملته الرئاسية القاضي غونزالو بي كورييل (Gonzalo Curie)، الذي أشرفَ على القضيّتين السابقتين، مدّعيا التحيز في قراراته بسبب تراثه المكسيكي. وقال ترامب إن كوريل سيكون «عقبة مستبدّة» بسبب تراثه المكسيكي وهو ما أدّى إلى اتّهام ترامب بالعنصرية. واتُّهم دونالد ترامب بالعنصريّة أيضاً في سنة 2016، وذلك بسبب تكراره لاتّهام مجموعة من المراهقين السود واللاتينيين في اغتصاب سيّدة بيضاء في الحديقة المركزية لنيويورك، وفيما بات يعرف بـ «قضية عدّاءة الحديقة المركزية».
لقد ظهر العالم كله أمام الشاشات على أمل أن تفوز المرشحة الديمقراطية كاملا هاريس، ليس بسبب عدم الرغبة في عودة العربيد ترامب للبيت الأبيض فحسب، ولكن لأن هاريس كانت صوت الضعفاء في أمريكا وحول العالم، كان لدى مئات الآلاف من أقارب المهاجرين حول العالم أملا في أن تصل هاريس للسلطة، وأن تنفذ برنامجها الانتخابي بأن تلم شمل العائلات المهاجرة التي سافر عائلها للولايات المتحدة، أو دخل الأب أو الأم منها للأراضي الأمريكية، وحتى من يعيش على الأراضي الأمريكية من مهاجرين كانوا على موعد لم يكتمل مع أمل في تقنين أوضاعهم، لكنهم الآن مع الأسف سوف يواجهون الترحيل بعد أن تعهد بترحيل كل من دخل للأراضي الأمريكية، وأن يستخدم الجيش الأمريكي، لأول مرة في التاريخ، لترحيل المهاجرين خارج الأراضي الأمريكية.
لم تكن هاريس حلما للديمقراطيين فحسب، بل كانت حلما لعدد لا نحصيه من الأطفال حول العالم أن يلحقوا بآبائهم في الولايات المتحدة، وحلما لعدد لا نحصيه من الزوجات الفقيرات المهمشات في بلدانهم بأن يلحقن بأزواجهن، سوف يعصف ترامب بهذه الأحلام، إن استمر في السلطة، وسوف تفقد الولايات المتحدة روحها التي بنت عليها الحلم الأمريكي، وسوف تفقد الجملة المكتوبة على قاعدة تمثال الحرية، وهذا التمثال بالمناسبة نسخة مصرية من الآلهة الرومانية ليبيريتاس والعبارة المكتوبة على قاعدة التمثال مكتوب عليها (إلى بالمزيد من المضطهدين حول العالم)، ولكن مع الولاية الجديدة لترامب وتنفيذها لوعده في أن يأمر الجيش الأمريكي في طرد المهاجرين بالقوة خارج الإدارة الأمريكية سوف تفقد هذه الجملة كل معنى لها.
لقد نجح ترامب في أن يطبق نظرية (الإدارة بالذعر)، فقد خاطب البيض الساكسون من الأمريكيين، ونجح في أن يجعل الخوف يدفعهم للتصويت له بحجة أن استمرار سياسة الهجرة الحالية للولايات المتحدة سوف تفضي إلى جعلهم أقلية على الأراضي الأمريكية، لقد استخدم ترامب كل النكات والإيحاءات الجنسية الرخيصة في الإساءة إلى المهاجرين، وهو قد فاز بالانتخابات ليس لأنه الأفضل من منافسيه، بل لأنه الأسوأ إطلاقا في التاريخ السياسي للولايات المتحدة منذ الاتحاد، لكن الذي خسر ليس هاريس وليس الديمقراطيين، بل إن العالم كله خسر سياقا أخلاقيا كانت سياسة الولايات المتحدة ستتحول إليه، على الأقل فيما يخص ملف الهجرة والمهاجرين .