للفن رسالة سامية، ودور رئيس في بناء العقول وتحصينها من لوثة التشدد الديني والتفريط اللاديني، وتُعد هذه الرسالة وذاك الدور رافد رئيس من روافد تجديد الفكر بمختلف مجالاته، سواء الديني، أو في مجال العلوم، أو الآداب، أو الثقافة... إلخ، ناهيك عن سمو هذه الرسالة وتعاظم ذاك الدور في الحفاظ على الهوية والانتماء الوطني، وإحياء العقل الجمعي وتحصينه من لوثة التشدد الديني والتفريط اللاديني، وتُمكينه من إتقاء شر الوقوع في أفخاخ الساعين إلى سلخه من هويته الدينية والوطنية والتاريخية والثقافية والاجتماعية.
إن ما سبق ذكره من معانٍ شديدة الأهمية، يندرج جميعها تحت ما يُمكن أن نطلق عليه «رسائل بناء الإنسان»، وهي تتجسد في العديد من الأعمال السينمائية والمسرحية والدرامية، والتي يأتي على رأسها ما يقدمه الفنان الكبير محمد صبحي، على مسرحه بمدينة سنبل للفنون والزهور.
والحديث عن رسائل بناء الإنسان، التي يبثها الفنان محمد صبحي، في أعماله المسرحية، يعود بنا إلى العام 1994م حين اختار «صبحي» موقعًا في قلب الصحراء على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، لينشئ منارته الفنية «مدينة سنبل للفنون والزهور»، والتي تُعد تجسيدًا واقعيًّا لقصة مسلسله «سنبل بعد الميلون» الذي عُرض على شاشة التليفزيون عام 1987م؛ إذ كان محمد صبحي (سنبل) يدعو الجماهير -من خلال دوره في هذا المسلسل- للخروج من ضيق وتكدس وزحام المدن المأهولة بالسكان منذ آلاف السنيين، إلى فضاء ورحابة الصحراء، مؤكدًا -حينئذ- أن حل مشكلات مصر الاقتصادية والسكانية والزراعية يكمن في تعمير الصحراء ببناء المدن الجديدة وزراعة ملايين الأفدنة، وقد وصف الموقع الرسمي لـ «مدينة سنبل» هذه الدعوة وتحقيقها على أرض الواقع بـهدف استراتيجي للأمن القومي المصري.
و«مدينة سنبل للفنون والزهور»، صرح فني ثقافي زراعي متكامل، أقيمت على مساحة 35 فدانًا، وبها 4 مشروعات أساسية، هي: متحف نهضة مصر، الذي يضم مقتنيات ووثائق من كل فناني الوطن العربي في مجالات التمثيل والنحت والتصوير والملابس، إضافة إلى منتجع سياحي فندقي على أعلى مستوى، والمشروع الثالث هو المسرح المكشوف المجهز لاستضافة الاحتفالات الغنائية والموسيقية بكل أشكالها، وهو مسرح يتسع لـ 1200 مشاهد، والمشروع الرابع عبارة عن بلاتوهات تصوير مقامة على مساحة تقارب الـ 1000 مترًا.
وبالرغم من عظمة البنية التحتية للمدينة، والدقة المتناهية في استغلال كل سنتيمتر من الأرض، والذي يعكسه اختيار مساحة كل مبنى ومحتوياته، وكذا الذوق العالي في اختيار النباتات والزهور التي تزين المكان، وتحقق ذاك التناغم بين البشر والحجر والشجر في مشهد يُعيد إلى الطبيعة نقاءها، وإلى النفس البشرية صفاءها؛ بالرغم من كل هذا الجمال المبهر، فإن هناك مشروعًا أكثر عظمة، ولولاه ما عمرت الصحراء بالبشر قبل الحجر، ولا نبت في أرضها الشجر، إنه مشروع بناء العقول، واستعادة الوعي، والحفاظ على الهوية المصرية القديمة (حضارة).. العربية (ثقافة ولغة وعقيدة).. الأفريقية (امتدادا جغرافيا)، الذي يتبناه الفنان محمد صبحي، ويقدمه من خلال رسائل مبثوثة في فصول مسرحياته التي تُعرض على مسرح مدينة سنبل.
فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ من شاهد مسرحية «فارس يكشف المستور»، التي تُعرض حاليًّا على مسرح مدينة سنبل، يُدرك أهمية هذا العمل الفني في الحفاظ على الهوية الوطنية المصرية، وذلك من خلال تبديد أوهام «الأفروسنتريك»، ونفي أكذوبة نسبة الحضارة المصرية القديمة إليهم، وكيف أن مثل هذه الادعاءات ما هي إلا حلقة ضمن سلسلة حلقات من المؤامرات التي تُحاك ضد مصر بهدف القضاء على الهوية الوطنية، والسبيل الأمثل لمواجهتها هو نشر الوعي، وتعريف النشء الصغير بتاريخ الحضارة المصرية القديمة.
نشر الوعي، هو إحدى أهم الرسائل التي يتبناها الفنان محمد صبحي؛ إذ يكشف في تسلسل بديع من خلال فصول مسرحية «فارس يكشف المستور»، حملات نشر الأكاذيب وترويج الشائعات الممنهجة والمستمرة التي تُشن ضد مصر، والهادفة إلى بث روح اليأس وعدم الثقة في النفس بين المصريين والتقليل من أهمية الطفرة غير المسبوقة في مشاريع البنية التحتية التي انطلقت قاطرتها في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويخلص في النهاية -بعد أن يكشف كل هذه المؤامرات- إلى أن الشعب الواعي المصطف خلف قيادته الحكيمة قادر على مواصلة العمل والبناء والإنتاج وصولًا إلى تحقيق حلم اكتمال بناء جمهورية جديدة، ودولة قوية.. قادرة.. متقدمة.. مستقلة القرار والإرادة.
ومن بين الرسائل بالغة الأهمية التي يبثها الفنان محمد صبحي، في إحدى فصول مسرحية «فارس يكشف المستور»، تلك الرسالة التي يكشف من خلالها مخططات أعدائنا لتغييب وعي النشء الصغير، وإيهامهم بأن من أراد النجاح وتحقيق ملايين الدولارات والعيش في رغد؛ فعليه أن يقتدي بمطربي المهرجانات أو البلوجرز، ويبتعد بالكلية عن أي محاولة للنبوغ العلمي والتقدم في المجال التكنولوجي. وهنا يُذكر الفنان الكبير الجميع بقامات مصرية عظيمة، مثل: مجدي يعقوب، وأحمد زويل، وعلي مصطفى مشرفة، وسميرة موسى، وطه حسين، وعباس العقاد... وغيرهم ممن شيدوا مجدًا شخصيًّا ووطنيًّا بالعلم والفكر والأدب، داعيًا أبناءنا إلى أن يقتدوا بمثل هذه القامات الشامخة إذا أرادوا تحقيق مستقبل زاهر.
ولأن من ضمن أخطر المؤامرات التي تُحاك ضدنا هي محاولات فصلنا عن محيطنا العربي، وخلق جيل غير مؤمن بالقومية العربية، ورافض لحقيقة أن مصر هي عامود خيمة الشرق الأوسط؛ فلم يهمل الفنان محمد صبحي القضية الفلسطينية، وكيف هذا وهي في القلب والحدث الرئيس الذي تدور حوله أحداث مسرحية «فارس يكشف المستور»؛ إذ يُبدع أبطال المسرحية في إبقاء جذوة القضية الفلسطينية حيةً داخل نفس كل عربي أبيّ، بل داخل كل نفس بشرية ما زالت تحتفظ بإنسانيتها وترفض المشاركة -ولو بالصمت- في جرائم الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
وفي عبقرية اعتدناها من الفنان الكبير محمد صبحي؛ يسلط العمل المسرحي بصورة درامية عبقرية الضوء على مخططات: «الشرق الأوسط الكبير»، و«الديانة الإبراهيمية»، و«المليار الذهبي»، و«هارب 2000»، ومحاولات إقناع الشعوب بتقبل الشذوذ الجنسي، والاعتياد على الطعن في الأديان السماوية وتشكيك الشباب في عقائدهم كي يسقطوا في جُب الإلحاد المُظلم. وكلها عناوين تحتاج إلى مجلدات لثبر أغوارها، وتحصين العقل الجمعي من لوثتها.
ويقتحم الفنان محمد صبحي النقاط الشائكة حين يُعيد التذكير بالدور المشبوه الذي تؤديه «جامعة تل أبيب الإسلامية»، التي أنشأها الكيان الصهيوني المحتل عام 1956م ويدرس فيها شباب صهاينة -يتم تدريبهم باحترافية من قِبلِ «الشاباك والموساد»- ثم يتخرجون كـ «دعاة إسلاميين» يعيشون في العديد من الدول الإسلامية (بأسماء وشخصيات مسلمة)، ويعملون على دس السم في العسل من خلال الظهور بمظهر الدعاة المتمكنين في تخصصهم الشرعي، والحقيقة أنهم يتخذون هذا التمكن كمدخل لاستقطاب الشباب المسلم ثم يبدأون مرحلة التشكيك في ثوابت الدين الإسلامي، والخطير أن كثيرًا من هؤلاء منتشرون في بلدان كثيرة بالعالمين العربي والإسلامي، وبالطبع بين أفراد الجاليات المسلمة في مختلف البلدان الأوروبية والغربية.
هذه بعض الخبايا والأسرار والمؤامرات التي ينجح «فارس»، في كشفها وتسليط الضوء عليها، وتحذير العقل الجمعي من خطورتها، وهي رسائل مهمة يبعث بها الفنان الكبير محمد صبحي، لكل مصري وعربي يدعوهم فيها إلى التحصن بالدين والأخلاق، والتسلح بالعلم والعمل، والانتماء المطلق لأوطانهم، والإيمان الذي لا يعتريه شك بإمكانياتهم، وأنهم قادرون على أن يحوزوا قصب السبق في كل مجال إذا أرادوا.