شهدت فترة مبارك ظهور واختفاء مئات الصحف بدون سابق إنذار. بعضها يصدر عن أحزاب، ثم تنشق الأحزاب على نفسها وتختفي الصحف التي صدرت عنها بانتظام أو بغير انتظام. وبعض الصحف تصدر برخص صادرة من قبرص أو لندن، ثم تختفي بدورها. وبين ظهور واختفاء هذه الصحف، وصحف ومجلات تصدر وتطبع بدون أي رخص، ويكفي أن يكون ناشرها أو صاحبها عضوًا في الحزب الوطني، حزب مبارك، أو له علاقة بجهة رسمية في الدولة حتى يفتح مكتبًا ويضع عليه لافتة صحيفة أو مجلة ويوظف بعض من يساعدوه بطرق مختلفة في جلب إعلانات يطبع بها عددًا أو عددين ثم يختفي وتختفي لافتة المجلة بعد أن يكون قد حصل ثمن الإعلانات.
كنا ندور في فلك مثل هذه الإصدارات، ومن جريدة تصدر عن جمعية للمطلقات في وسط القاهرة، وصحف حكومية لها مباني ضخمة عملنا، مجانًا ولم نحصل على أي مال، بل أحيانًا ننفق من مصروفنا اليومي الذي كنا نوفره من تكاليف المواصلات لندفع ثمن مكالمات الهاتف من الأكشاك والسنترالات في هذا الوقت قبل ظهور الهواتف المحمولة وانتشارها. عمل جيلنا بشغف من وقع في عشق صاحبة الجلالة لمجرد فكرة أن نرى أسماءنا مطبوعة على المواد التي كنا ننشرها، ونسعد بصدور الأعداد التي تصدر من هذه الصحف التي بلغ أصحابها من التقتير أن يفرضوا علينا شراء النسخ ولا نحصل عليها مجانًا، بل أن سلوك بعض أصحاب هذه الصحف كان يصل لدرجة أن يفرضوا على الشباب المتدربين بيع عدد محدد من النسخ لأقاربهم وأصدقائهم مقابل الاستمرار في العمل والنشر مجانًا فقط مقابل كتابة أسماءهم على الموضوعات التي يحررونها.
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ .. محمد مختار يكتب عن حزب مصر الفتاة من أحمد حسين وحتى علىّ الدين صالح
وفي يوم من شتاء تسعينيات مبارك، ظهرت لافتة مكتوب عليها 'حزب مصر الفتاة'. وكان قد صدر من جريدة الحزب لأول مرة أعداد توحي بأن ورائها صحفيين موهوبين، وهم نفسهم الذين سوف يصبحون من أشهر وأكبر الكتاب بعد ذلك في قادم الأيام. كانت اللافتة مكتوبة بطريقة بدائية والمبنى الذي يشغله مقر الحزب والجريدة مبنى شبه متهدم قرب سفارة تشيكوسلوفاكيا القديمة قبل أن تنفصل إلى دولتين. فوجدت نفسي بدون شعور وعلى خلاف خجلي الطبيعي أصعد على سلم المبنى وأدخل لأجد أمامي أشخاصًا يجلسون حول 'طاولة' اجتماعات، وفي ركن يجلس على مكتب متواضع من عرفت بعد ذلك أنه الصحفي الكبير الأستاذ طلعت إسماعيل. قدمت له نفسي بفخر كنا نشعر به كطلبة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وتفهم الرجل غرضي من أول جملة نطقت بها، لكنه استمع مني بسعة صدر. وفي نهاية كلامي قال لي جملة هي أول درس تعلمته في المهنة، كانت الجملة واضحة تمامًا: 'لا تشغل نفسك بالقصص والأدب، أهم ما يجب أن تتعلمه الآن هو أن تتعلم كيف تكتب الأخبار وباقي الأشكال الصحفية'. في هذا اليوم عدت لمنزلي في الحسين مشيًا على الأقدام، ولكن لم أستطع النوم من الفرحة، فرحة شاب يافع لم يتخطى الثمانية عشر عامًا من عمره، وهو يشعر لأول مرة أنه على أعتاب عالم عاش يحلم به، وحتى وإن كانت الفرصة متواضعة وفي صحيفة لن يكتب لها الاستمرار، كما حدث فيما بعد.
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ .. محمد مختار يكتب عن حزب مصر الفتاة من أحمد حسين وحتى علىّ الدين صالح
ولأول وهلة، كان ظهور لافتة 'مصر الفتاة' على لافتة تعلو مبنى قرب ميدان الدقي له أكثر من دلالة سياسية. أهمها أن هناك خطة لخلق كيان موازٍ لحزب العمل الاشتراكي بعد أن تنازل عن اشتراكيته وتحالف مع جماعات دينية. لكن في كل الأحوال، بدت التجربة من الخارج بالنسبة لنا فرصة لنتدرب في صحيفة تحمل اسمًا له شرعية تاريخية مثل حزب مصر الفتاة، وليس صحيفة تنتحل اسمًا لإصدار دولي يصدر عن جمعية وهمية أو كيان لا وجود له. كانت صحيفة الحزب تصدر وعلى لافتة الترويسة صورة لمؤسس حزب مصر الفتاة أحمد حسين على اليمين وعلى اليسار صورة جمال عبد الناصر. وهي توليفة سياسية غريبة لا يمكن أن تصمد أمام أي تدقيق حزبي، وحتى في هذا الوقت المبكر ومع قلة خبرتنا السياسية، عرفنا أن أهم ما في الكيان الجديد 'مصر الفتاة' هو جريدة الحزب وليس الحزب نفسه، وأن الحزب لن يكون في جميع الأحوال إلا محاولة لدجل سياسي باستغلال للشرعية التاريخية لحزب مصر الفتاة القديم.
مثلت التجربة بالنسبة لنا محاولة للانخراط في محاولة لم يكتب لها النجاح لاستعادة تجربة صحفية وحزبية عرفتها مصر في فترة الملكية. وحزب مصر الفتاة درسنا صحافته ضمن مادة تاريخ الصحافة للأستاذ الدكتور خليل صابات. والأستاذ الدكتور خليل صابات، لمن لا يعرفه من شباب الصحفيين، هو قامة وعلامة في التاريخ الأكاديمي للصحافة العربية، وله كتاب موسوعي بعنوان 'وسائل الاتصال: نشأتها وتطورها'، صدر في عشرات الطبعات، وكان الراحل يوزعه على طلاب كلية الإعلام مجانًا. وعلى يد هذا العالم الراحل، تعلمنا الكثير عن تاريخ مصر الفتاة حزبًا وصحيفة.
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ .. محمد مختار يكتب عن حزب مصر الفتاة من أحمد حسين وحتى علىّ الدين صالح
ظهر اسم مصر الفتاة عام 1929 لأول مرة، ثم بدأت تتكون ملامح تلك الجمعية الوطنية إبان 'مشروع القرش'. وفي جمادى الآخرة 1352 هـ / أكتوبر 1933م، تشكلت جمعية 'مصر الفتاة' وأعلنت رسميًا تحت رئاسة 'أحمد حسين'، واتخذت من جريدة 'الصرخة' لسانًا لها. وكانت جمعية ذات أهداف وطنية قد تصل إلى حد الحماسة المفرطة، ولعل ذلك يرجع إلى حالة الاحتلال التي كانت تعيشها مصر. فكان من مبادئها أن على كل مصري أن يؤمن بأن مصر فوق الجميع، وأن يشعل القومية المصرية، وأن تصبح الكلمة المصرية هي العليا وما عداها لغوًا. وكان من متطلباتها: 'لا تتحدث إلا بالعربية'، و'لا تشتر إلا من مصري'، و'لا تلبس إلا ما صنع في مصر'، و'احتقر كل ما هو أجنبي، وتعصب لقوميتك إلى حد الجنون'.
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ .. محمد مختار يكتب عن حزب مصر الفتاة من أحمد حسين وحتى علىّ الدين صالح
كان أحمد حسين يجمع بين الحماس الثوري والفكر المنظم. ففي الجامعة، قاد حركة وطنية واسعة، وأطلق 'مشروع القرش' الذي كان يهدف إلى بناء صناعة وطنية قوية، مستخدمًا في ذلك أساليب تنظيمية مبتكرة في هذه الفترة. في خضم الصراع المحتدم حول الهوية الوطنية المصرية، تبنى أحمد حسين وفتحي رضوان 'مشروع القرش' كرمز للمقاومة الثقافية. فقد كان الطربوش، في تلك الفترة، أكثر من مجرد غطاء للرأس، بل كان تجسيدًا للهوية المصرية الأصيلة في مواجهة المد الغربي المتزايد.
وفي هذه الفترة، استغل إسماعيل رئيس الوزراء صدقي باشا مشروع القرش كأداة في صراعه السياسي مع حزب الوفد، راجيًا كسب تأييد الشعب وتحويل اهتمام الشباب عن القضايا الوطنية الكبرى، مثل الاستقلال. كما شارك الشاعر أحمد شوقي في دعم المشروع بأشعاره، وكان مما قاله:
'علم الآباء واهتف قائلا
أيها الشعب تعاون واقتصد
إجمع القرش إلى القرش يكن
لك من جمعهما مال لبد
أطلب القطن وزاول غيره
واتخذ سوقا إذا السوق كسد'
لم يكن مشروع القرش مجرد مبادرة طلابية، بل تحول إلى حركة وطنية شاملة، حيث شارك فيه آلاف المصريين من مختلف الطبقات. وبفضل التبرعات السخية والحماس الشعبي، تمكن المشروع من جمع حوالي 13 ألف جنيه وهو مبلغ ضخم في هذا الوقت، سمح بإنشاء مصنع حديث للطرابيش في العباسية، ليصبح هذا المصنع رمزًا للاستقلال الاقتصادي والاعتماد على الذات. في أواخر 1933، بدأ الطربوش المصري يطرح في الأسواق، غير أن بعض الوفديين قاموا بمظاهرات تنادي بسقوط أحمد حسين، وتقول: 'يسقط حرامي القرش'، واتهموه باختلاس أموال المشروع، وكانت حملة تشهير قاسية ضده تغذيها روح السياسة، فاضطرته إلى الاستقالة من سكرتارية جمعية القرش.
ولسوء الحظ، فقد شهدت الساحة السياسية المصرية في ثلاثينيات القرن الماضي صراعًا حادًا بين حزب الوفد وحزب مصر الفتاة، حيث سعى كل حزب إلى كسب تأييد الشباب، مما أدى إلى مواجهات عنيفة واعتقالات واسعة النطاق. وفي نطاق تخبطه السياسي، تخلى أحمد حسين عن أفكاره القومية، وفي تحول مفاجئ، تبنى حزب مصر الفتاة خطابًا دينيًا متشددًا، داعيًا إلى إحياء الخلافة الإسلامية على يد الملك فاروق، وحمل الحضارة الغربية مسؤولية تدهور المجتمع المصري، متخليًا بذلك عن خطابه القومي السابق. وفي عام 1940، تحول حزب مصر الفتاة إلى حزب وطني قومي إسلامي، وذلك في سياق المنافسة الشديدة مع جماعة الإخوان المسلمين وبروز القضية الفلسطينية. وقد دفع هذا التحول أحمد حسين إلى تبني خطاب ديني قومي يجمع بين الدعوة إلى الوحدة العربية والتمسك بالهوية المصرية، سعياً لكسب تأييد أكبر للشباب.
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ .. محمد مختار يكتب عن حزب مصر الفتاة من أحمد حسين وحتى علىّ الدين صالح
ثم أظهر برنامج حزب مصر الفتاة لعام 1948 ازدواجية في الرؤية، فبينما تبنى بعض الأفكار الاشتراكية التي كانت سائدة في الحركة الوطنية، إلا أنه بقي متمسكًا بروح محافظة، حيث أبقى على شعارات تقليدية كـ'الملكية الدستورية' ولم يتطرق إلى قضية الصراع الطبقي. ثم شهد حزب مصر الفتاة تحولًا جذريًا في مرجعيته الرمزية، حيث تخلى عن شعار 'الله.. الوطن.. الملك' وتبنى شعار 'الله.. الشعب'، مما يعكس رغبته في الانفصال عن النظام الملكي والتحول نحو نظام أكثر ديمقراطية.
كانت صحيفته 'الاشتراكية' توزع ما يقرب من 80 إلى 100 ألف نسخة. ورغم أن صحيفة الحزب انتشرت في أماكن كثيرة في مصر، فإن الحزب لم يستطع أن ينشئ قواعد ثورية له، فارتكز نشاط الحزب في الأساس على الإثارة السياسية أكثر من الإعداد المنظم للعمل الثوري. ويرى المؤرخ طارق البشري أن أحمد حسين كان يتأثر بالشعور الشعبي العام؛ بل إنه في بعض استجاباته كان يخضع للجماهير. في 24 يناير 1952، عقد مؤتمرًا صحفيًا أعلن فيه أنه قرر الانسحاب من الحياة العامة، متوقعًا تردي البلاد في الكوارث. وكان ذلك قبل حريق القاهرة بيومين، وقد وجه له البعض أنه يقف هو وحزبه وراء حريق القاهرة الشهير، وقدم إلى المحاكمة، وطالبت الحكومة بإعدامه، وكاد حبل المشنقة أن يلتف حول رقبته.
أُفرج عن أحمد حسين بعد قيام حركة يوليو 1952م وإسقاط النظام الملكي، وعاد لنشاطه، لكن حل الأحزاب شمل حزبه في 1373 هـ / 1953م، ثم ما لبث أن تعرض للسجن والتعذيب الوحشي في السجن الحربي إبان 'أزمة مارس' الشهيرة عام 1954م، والتي دار خلالها صراع على السلطة بين الرئيس محمد نجيب وجمال عبد الناصر الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء، وذلك بسبب برقية أرسلها إلى الطرفين قال فيها: 'إن مصر ليست ضيعة أو عزبة تتداولونها'.
عندما أفرج عنه، انتقل أحمد حسين إلى منفاه الاختياري في سوريا، ثم لبنان، ثم لندن، ثم السودان، ولم يكف خلال هذا التجوال عن إرسال البرقيات إلى الرئيس جمال عبد الناصر -الذي كان عضوا سابقًا في حزب مصر الفتاة- يطالبه فيها بالديمقراطية ويحذره من الاستبداد والديكتاتورية. في عام 1376 هـ / 1956م، طلب أحمد حسين العودة إلى مصر على أن يعتزل العمل السياسي، واستجيب لطلبه، فعمل بالمحاماة فترة، ثم اعتزلها عام 1380 هـ / 1960م، ثم توفي أحمد حسين في 17 ذو الحجة 1403هـ الموافق 26 سبتمبر 1982 في عصر مبارك، وظني أنه مات ولم يشعر به أحد.
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ .. محمد مختار يكتب عن حزب مصر الفتاة من أحمد حسين وحتى علىّ الدين صالح
كان السرد التاريخي السابق عن حزب مصر الفتاة ضروريًا لنفهم التناقض الكبير الذي عبرت عنه صحيفة مصر الفتاة في إصدارها الجديد في فترة جمهورية مبارك التي اشتهرت باصطناع الأحزاب بين وقت وآخر. وهو حزب نشأ من فكرة فاشستية بالأساس ثم تأرجح بين الاشتراكية والإسلام ولم يجد مؤسسه أحمد حسين حرجا من أن يراسل هتلر ويضع نفسه وحزبه في دائرة شبهة التخابر مع ألمانيا النازية. والحقيقة كان تناقضًا في كل شيء. فالصفحة الأولى للصحيفة تحمل على اليمين وبين تكوين لافتة الصحيفة صورة أحمد حسين، وعلى اليسار صورة جمال عبد الناصر، والأخير هو الذي سجن أحمد حسين وطارده في سوريا ولبنان ولم يسمح له أبدًا بالعمل السياسي ولا حتى بالعمل العام أو الكتابة في الصحف. أما كوادر الحزب أو قيادته فكانوا خليطًا غير متجانس التفوا حول على الدين صالح، المحامي وأحد شباب حزب مصر الفتاة في ثلاثينيات القرن الماضي ، وشمل هذا الخليط بعض السماسرة والتجار، وطيف واسع من طريدي حزب العمل الناصريين الذين تركوا حزب العمل بعد خسارتهم معركة سياسية مع الوافدين الجدد على الحزب بعد أن قرر عادل حسين، الأمين العام للحزب وشقيق أحمد حسين نفسه مؤسس مصر الفتاة، أن يسير على درب أخيه فتحول بحزب العمل من الاشتراكية لتبني الأفكار الدينية، وطاوعه في ذلك الراحل إبراهيم شكري ثعلب السياسة المصرية العجوز الذي كان يحظي باحترام كبير طوال عصر الرئيس الراحل حسني مبارك لأسباب مختلفة. أما أمين الشباب في حزب مصر الفتاة فهو شخص طيب القلب وإن كان لا يخفي، بل يجاهر، بأنه يتعاون مع 'أمن الدولة' وهو اسم جهاز الأمن السياسي في عهد مبارك. أما صفحات الرأي في الصحيفة فهي خليط بين المحتوى القومي وبين محتوى إسلامي، لكن مع ذلك فقد كان المحتوى الخبري والأشكال الصحفية التي تنشرها الصحيفة هو المحتوى المتجانس الوحيد في الحزب وفي الصحيفة، على الرغم من أن الصحفيين العاملين في تحريرها كانوا خليطًا بين ناصريين وبعد القادمين من الجماعة الإسلامية وماركسي وحيد هو قديس اليسار والمناضل الذي لا يتوقف عن نشر الأمل، الصحفي الكبير الأستاذ هشام فؤاد عبد الحليم، الذي التقيت به لأول مرة في اجتماع التحرير وهو أشرف من التقيت بهم في حياتي الصحفيين المصريين الذين لا يترددون في تبني مواقف سياسية واضحة بصرف النظر عن الثمن الذي سوف يقدمونه لقاء هذا الموقف. وليس هذا غريبًا عليه فهو من عائلة لها تاريخ وطني وسياسي مشرف، ووالده هو المناضل الكبير فؤاد عبد الحليم الذي سجن لمدة 10 سنوات كاملة لكفاحه ضد الاستبداد والظلم ومطالبته بحقوق الفقراء والعمال والفلاحين، وعمه الشاعر والأديب والروائي والمحامي الكبير كمال عبد الحليم، من أبرز القادة التاريخيين لمنظمة حدتو. اعتقل عمه لفترة من الزمن لكنه لم ينقطع عن نضاله ولا كفاحه الوطني. وعمه الثاني هو الصحفي الكبير إبراهيم عبد الحليم، رئيس تحرير دار الهلال الأسبق.
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ .. محمد مختار يكتب عن حزب مصر الفتاة من أحمد حسين وحتى علىّ الدين صالح
من المفيد الإشارة لشخصية رئيس الحزب في هذا الوقت، وكان رجلُا يعمل بالمحاماة وببعض الأعمال الخاصة ، وقد يكون الرجل حسن النية في سعيه لإحياء تراث مصر الفتاة، ولكنه لسوء الحظ لم يدير العمل الحزب والسياسي بالحرفية المفترضة في رجل بمثل عمره وخبرته بالحياة، وتورط في خلافات شخصية تخص رئيس تحرير الصحيفة مع رئيس تحرير أحد المؤسسات الصحفية الحكومية، وكان رئيس تحرير الصحيفة الحكومية مقربًا من الرئيس مبارك، وبدأ رئيس تحرير مصر الفتاة في تخصيص مساحة من الصحيفة لنشر ملاسنات لا تليق في حقيقة الأمر بمستوى الخطاب الإعلامي المفترض في حزب بمثل عراقة حزب مصر الفتاة، ولم يكن هناك أى فائدة على المستوى السياسي أو حتى الصحفي من مثل هذه الملاسنات، وعندما حدث الشرخ في العلاقة بين رئيس حزب مصر الفتاة ورئيس تحرير صحيفة الحزب، لم يكن من الممكن إصلاح سفينة الحزب التي وضعها رئيس التحرير في مرمى صراع شخصي مع رجل مقرب من السلطة، ولا أعلم ما هى الرؤية السياسية التي تجعل حزبا عائدًا للساحة السياسية أن يتورط في مثل هذه الملاسنات، وكانت النتيجة الطبيعية أن أغلق الحزب أبوابه وتوقفت الصحيفة عن الصدور، وضاعت أحلام العاملين في الصحيفة الذين كانوا على مرمى حجر من التعيين وعضوية نقابة الصحفيين بسبب رعونة أشخاص لم يأخذوا في الحسبان المستقبل المهني للشباب الذين كانوا يعملون معهم .
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ .. محمد مختار يكتب عن حزب مصر الفتاة من أحمد حسين وحتى علىّ الدين صالح
وكانت امتحانات نهاية العام في كلية الإعلام على الأبواب، فتركنا الصراع الممتد بين مقر الحزب في الدقي ومكتب إذاعة أجنبية يديره رئيس التحرير في عمارات معروف بوسط القاهرة، وعدنا للدور الرابع لنحتمي بكلية الإعلام من سهام طائشة، وننهي العام الدراسي ويقدم كل منا ما نشره للمعدين المشرفين على سكاشكن التدريب العملي لنحصل على أعمال درجات السنة، على أمل أن نبحث بعد أن ننتهي من الدراسة عن صالة تحرير جديدة نتدرب فيها، ومغامرة صحفية جديدة ننخرط فيها وشغف العمل الصحفي يحركنا وليس الرغبة في الحصول على راتب أو التعيين في مؤسسة صحفية.