في الساعات القليلة الماضية، حلَّ الرئيس الإماراتي محمد بن زايد ضيفًا على القاهرة، وربط البعض تلك الزيارة بتفجُّر الوضع في قطاع غزة، عقب استئناف إسرائيل الحرب، ونكوصها عن اتفاق وقف إطلاق النار، ما جعل البعض يتكهن بأن بن زايد جاء حاملًا رسائل أمريكية لمصر، تلك التي جرى التباحث بشأنها خلال اللقاء الذي جمع الرئيس دونالد ترامب، ونائب حاكم أبو ظبي مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد، في البيت الأبيض الأسبوع الماضي.
وهو اللقاء الذي أعلن البيت الأبيض بعده عن حزمة استثمارات إماراتية داخل أمريكا، تقدر بـ1.4 تريليون دولار على مدار عشر سنوات.
وتأتي زيارة محمد بن زايد إلى مصر في وقت تواصل فيه الإدارة الأمريكية ضغوطها على الدولة المصرية لقبول خطة التهجير، التي طرحها ترامب لسكان غزة ونقلهم إلى مصر، كما تتزامن مع الوقت الذي أثار فيه مبعوث أمريكا في الشرق الأوسط، جيفري فيلتمان، استياءً شديدًا داخل الأوساط السياسية المصرية، بذكره أرقامًا عن تدهور الوضع الاقتصادي في مصر، منها انتشار البطالة بين من هم أقل من 25 عامًا، إلى نسبة تصل إلى 45%، وقال صراحة: 'البلد لا يمكنه الاستمرار بهذا الشكل'، وأضاف: 'إذا وقع حدث سيئ في مصر سيعيدنا إلى الخلف'.
ما جعل زيارة بن زايد للقاهرة تبدو كأنها تحمل في طياتها رسالة حول تفاهمات مفادها أن التهجير سيكون ربما مقابل تعويم مالي، وضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد المصري، في هذا الوقت الحرج، وأنه في حال رفض مصر هذا المقترح باستقبال جزء من أبناء غزة داخل أراضيها، وإصرارها على موقفها، فإن هناك سيناريوهات بديلة، مثل: توجيه الحزم الاقتصادية المقترحة حاليًا على مصر إلى الرؤى البديلة، كما أن مصر ستخسر أيضًا الدعم والمساندة الأمريكية.
وفي أعقاب زيارة بن زايد، أعربت الهيئة العامة للاستعلامات عن إعادة تأكيد مصر على موقفها الثابت والمبدئي بالرفض القاطع والنهائي لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، قسرًا أو طوعًا، إلى أي مكان خارجها، خصوصًا إلى مصر، لما يمثله هذا من تصفية للقضية الفلسطينية، وخطر داهم على الأمن القومي المصري، كما أشارت إلى أن مصر التي دافعت عن فلسطين على مدار ثلاثة أرباع القرن، تعتبر القضية الفلسطينية جزءًا من أمنها القومي.
وأوضحت الهيئة رفض مصر التام لأية مزاعم تتداولها بعض وسائل الإعلام، تتعلق بربط قبول مصر بمحاولات التهجير - المرفوضة قطعًا - بمساعدات اقتصادية يتم ضخها لها، مؤكدة أن السياسة الخارجية المصرية عمومًا، لم تقم قط على 'مقايضة' المصالح المصرية والعربية العليا بأي مقابل، أيًّا كان نوعه.
وفيما يتعلق بصفة خاصة بالقضية الفلسطينية، التي هي جوهر الأمن القومي المصري والعربي، فإن موقف مصر منها لأكثر من ثلاثة أرباع القرن، ظل موقفًا مبدئيًا راسخًا يُعلي من اعتبارات هذا الأمن القومي، وحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، وهو ما تحملت مصر من جراءه - راضية وصابرة - أعباءً اقتصادية ومالية هائلة، لم تدفعها مطلقًا في أي لحظة نحو أي تنازل، ولو طفيف في مقتضيات أمنها القومي الخاص، وأمن أمتها العربية العام، ولا في حق واحد مشروع للشعب الفلسطيني الشقيق.
وأنهت 'الاستعلامات' تصريحها بأن مصر لم تكتفِ برفضها القاطع والنهائي لمشروع التهجير المطروح منذ بدء العدوان على غزة، في المسارات السياسية والدبلوماسية، بل أعلنته عاليًا وصريحًا منذ الساعات الأولى لهذا العدوان على لسان قيادتها السياسية، ملزمة نفسها به أمام شعبها والعالم كله، ومتسقة مع أمنها القومي والمصالح العربية العليا، ومحافظةً على القضية الفلسطينية، ومؤكدةً على مبادئ سياستها الخارجية التي تقوم على 'الأخلاق' والرفض التام لأن يكون لاعتبارات 'المقايضة' أي تأثير عليها.