لم نعد كما كنّا.
لم نعد نثور بسهولة، ولا نندفع لنعبر، ولا نتمسك بالجدال كما كنا نفعل من قبل.
صرنا أكثر هدوءًا… أو هكذا نظن.
لكن السؤال الذي يتكرر في أعماقنا:
هل هذا الهدوء راحة حقيقية؟ أم أنه شكل آخر من التعب؟
أحيانًا نتصور أننا صرنا أكثر نضجًا حين نصمت،
لكن كثيرًا ما يكون الصمت خوفًا، لا حكمة.
خوف من خيبة جديدة، أو من علاقة تُعيد جرحًا قديمًا،
خوف من بذل طاقة لا نملك منها الكثير.
مع الوقت، نتعلم أن الدخول في معركة—even صغيرة—صار يكلفنا أكثر مما يحتمل القلب.
فنختار الصمت بدل الجدال، والابتعاد بدل المواجهة، والسكوت بدل الدفاع عن النفس.
نقنع أنفسنا أننا نبحث عن “سلام داخلي”،
لكن في الحقيقة، نحن أحيانًا نبحث عن مأوى من الضجيج،
عن مساحة آمنة لا تُوجعنا فيها الحياة أكثر.
هل الهدوء إذًا راحة؟ أم استسلام؟
ربما هو مزيج من الاثنين.
نهدأ لأننا وعينا معنى السلام،
ولأننا أدركنا أن كثيرًا من الأشياء لا تستحق الغضب،
لكننا أيضًا نهدأ لأننا خائفون أن تخوننا صحتنا،
أن لا يحتمل الجسد ما عجز القلب عن احتماله.
حين نصل إلى مرحلة النضج، نصبح أكثر رعبًا من فكرة الانهيار،
ليس لأننا نخاف الموت، بل لأننا نخاف أن نسقط فلا نجد من يواسينا.
تُصبح المشاعر الثقيلة عبئًا جسديًا حقيقيًا،
فنختار الهدوء كطريقة للبقاء، لا كاختيار للتصالح.
كثيرون اليوم لا يبحثون عن الفرح، بل عن “عدم الألم”.
لا ينتظرون أن تُفهمهم الحياة، بل فقط ألا تؤذيهم أكثر.
فهل ما نعيشه هدوءًا ناضجًا أم تعبًا أنيقًا؟
ربما الاثنان معًا… لأننا ببساطة لم نعد نملك رفاهية الصخب،
ولا ترف الاندفاع.
لقد استهلكنا بما فيه الكفاية،
ونحاول فقط أن نحافظ على ما تبقّى منا.
على صحتنا، على توازننا، على قدرتنا على الوقوف كل صباح.
نهدأ… لا لأننا بخير،
بل لأننا نحاول أن نكون بخير، ولو بصمت.