حسن حماد: تجديد الخطاب الديني لن يتحقق إلا بقرار سياسي.. والأزهر يجب أن يلتزم بحدوده (حوار - الجزء الثاني)

الدكتور حسن حماد - أستاذ الفلسفة
الدكتور حسن حماد - أستاذ الفلسفة

♦♦ جرائم داعش الإرهابية لم تأتي من فراغ.. وهي استدعاء لنصوص تراثية من الماضي المرعب

♦♦ فكر ابن حنبل والغزالي وابن تيمية معادٍ للفلسفة والعلم.. وإذا تمسكنا بتجربة السابقين سنظل خارج التاريخ

♦ الحوار بين الأديان 'تهريج' ومحاولة للضحك على العقول.. والهجوم على فرنسا 'هوجة' أضرت بالإسلام

♦♦ حسن البنا صاحب فكرة القمع الشامل للإنسان.. والصوفية ينادون بـ'المحبة' ويبتعدون عن التعصب

♦♦ أمريكا استخدمت الإرهاب في تنفيذ أغراض استعمارية.. و'بايدن' لا يستطيع تكرار سيناريو 'أوباما'

♦♦ السعودية بدأت التخلص من كابوس التطرف.. والتخلص من الأصنام القديمة شرط لـ'تقدم العقل'

♦♦ أغاني المهرجانات والتطرف الديني وجهان لعملة واحدة.. ويجب تغيير المادة الثانية من الدستور.. وإلغاء قوانين ازدراء الأديان

الدكتور حسن حماد في حواره لـ الدكتور حسن حماد في حواره لـ 'أهل مصر'

طرح الدكتور حسن حماد، أستاذ الفلسفة وعلم الجمال، العميد الأسبق لكلية الآداب جامعة الزقازيق، في الجزء الأول من حواره لـ'أهل مصر'، العديد من القضايا الشائكة، كان في مقدمتها الإجابة على سؤال: ماذا خسر المسلمون عقب تكفير الفلاسفة وتحريم الاشتغال بالفلسفة؟ مشيرًا إلى أن ميراث غياب التفكير الفلسفي هو السبب في تلبس الخرافة والأساطير بالعقل العربي.

اقرأ أيضًا: حسن حماد: رجال الدين أصبحوا سُلطة موازية لـ"الدولة".. الشعراوي ليس "نبيا".. و"أهل السنة" بداية الإسلام السياسي (حوار - الجزء الأول)

وفي الجزء الثاني من الحوار، يتحدث الدكتور حسن حماد، عن قضية إصلاح الخطاب الديني، وهل القيام بهذا العمل ممكنًا في وقتنا الراهن أم أنه أمر محال؟ كما يُشرح أستاذ الفلسفة بنية العقل الأصولي، شارحًا الأسباب التي تدفع هؤلاء الموتورين إلى القتل باعتباره 'فعلٌ مقدس'، مجيبًا على سؤال الساعة: هل فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية يعني عودة الإخوان وتيار الإسلام السياسي للمشهد من جديد؟.. وإلى نص الحوار:

♦♦ الرجعيون من رجال الدين يريدون اقتلاعنا من الحاضر وصرفنا عن المستقبل ويصرون على أن نعيش الماضي بكل تفاصيله، وفي المقابل هناك تنويرون أيضًا قابعون في الماضي حتى لو كان هذا التوجه بغرض النقد؛ متى نتخلص من هذا الميراث ونلتفت إلى التقدم والمشاركة في ركب الحضارة؟

♦ لا أحد يستطيع التخلص من ماضيه ولا من تراثه؛ لأنه لا حاضر ولا مستقبل لمن لا ماضي له، ولا شك أن في تراثنا الإسلامي العربي لحظات مشرقة لا يستطيع أحدٌ إنكارها، وللأسف تم طمس هذه اللحظات وإعلاء صوت 'اللاعقل'، إضافة إلى تكفير ووأد تياران مهمان جدًا، هما: التيار العقلاني، والتيار الصوفي الذي يبتعد بالفكرة الدينية عن إطارها التعصبي الضيق، ويحول الخطاب الديني من 'خطاب عنيف' إلي 'خطاب محبة'، ورغم هذا تم تكفير المتصوفة، واقتراف الكثير من الجرائم في حقهم مثل واقعتي قتل السهروردي، والحلاج، ناهيك عن اتهام محيي الدين بن عربي بالهرطقة وتحريم تداول وقراءة كتبه.

والذين كفروا المتصوفة ووأدوا التيار العقلاني من الثقافة العربية، وهمشوا فكرهما، اهتموا في المقابل ببعض الشيوخ مثل: أحمد بن حنبل وأبي حامد الغزالي وابن تيمية، وتم التركيز على نشر فكرهم المعادي للفلسفة والتفكير العلمي، وهذا ما أدى بنا إلى هذه اللحظة من الجمود.

اقرأ أيضًا: الشيخ أسامة إبراهيم: الأزهر يحتاج إلى إدارة شابة.. وثقافة الاعتزال لا تصلح.. والتجديد لا يعني هدم ثوابت الإسلام (حوار ـ الجزء الأول)

وأعود لأؤكد مرة أخرى أن الماضي مهم جدًا في حياتنا؛ لكن لا يوجد إبداع دون القطيعة مع الماضي، فالإبداع يولد على جثة القديم، والفكرة الجديدة يشترط فيها أن تكون مغايرة للقديم، ولكي يمضي العقل قُدمًا للأمام لابد أن يتخلص من أصنامه القديمة ومن ماضيه، بشرط أن يكون قد أستوعب هذا الماضي.

وبالرغم من نقدنا للتراث لكنه سيظل يمثل هويتنا؛ إلا أن هناك فارقًا بين أن تقف أمام هذا التراث عاجزًا ومشلولًا ومنبهرًا به، وبين أن تنظر إليه نظرة نقدية وإنسانية وتراه مجرد تجربة بشرية. نحن نحتاج أولًا إلى قراءة التاريخ الإسلامي قراءة إنسانية، وثانيًا نحتاج إلى فهم النصوص عبر المنهج التاريخي الذي يربط بينها وبين الواقع الذي كانت تطبق فيه، لأننا لا نستطيع أن نعيش تجربة الآخر التي عاشها منذ ألف وخمسمائة عام، ولو صممنا على التمسك بعيش تجربة السابقين سنظل خارج التاريخ؛ فالماضي مهم لكنه لا يجب أن يكون حجر عثرة في طريق التقدم الإنساني.

♦♦ من ضمن مؤلفاتك الهامة: 'ذهنية التكفير، والأصوليات الإسلامية والعنف المقدس'؛ إذا أردنا تفكيك البنية الذهنية للحركات الأصولية ما الذي نجده قابعًا داخل هذه العقول الموتورة؟

♦ العقل الأصولي سواء كان صاحب هذا العقل عضوًا في جماعات الإسلام السياسي أو حتى خارج هذه الجماعات هو 'بنية وأسلوب تفكير' أو 'رؤية للعالم' وفقًا لتوصيف الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي لوسيان جولدمان، وهي بنية أو رؤية مرتبطة بما هو سائد في العقل الجمعي، ولذلك نجدها نرجسية جدًا، واصطفائية بما يجعل صاحبها يعتقد أنه مُصطفى من قبل الله، وأنه الأقرب إليه، وأنه وحده الذي سيدخل الجنة، وأنه الصواب علي الدوام وغيره خطأ، وكذلك هي بنية إقصائية، لا تقبل بالمختلف، وتكره الأجنبي والمغاير والمتعدد، كما تكره النقص وتعتبره خطيئة.

اقرأ أيضًا: الشيخ أسامة إبراهيم: لا يوجد نص قطعي يُحرم زواج المسلمة من غير المسلم.. والمسألة تحتاج إلى اجتهاد (حوار - الجزء الثاني)

وبنية العقل الأصولي أو الإرهابي - أيضًا - 'شكلانية'، تعتبر الدين مجرد مظهر، لذلك نجد هؤلاء يهتمون بـ'الزبيبة' وارتداء الملابس البيضاء والجلباب القصير وإطلاق اللحية وترديد الكلمات الدينية في الحوار واستخدام الأسماء الحركية، وكل هذا مقصود؛ لأنه يُحقق فكرة القمع الشامل للإنسان، والقدرة على التحكم في أدق تفاصيل حياته: اسمه، وكلماته، ومظهره... إلخ، والسيطرة عليه سيطرة كاملة تحوله إلى 'دمية'، ومثل هذا ما نجده مكتوبًا في مذكرات حسن البنا الذي كان يدعو إلى توحيد الزي لدى المصريين، وهذه فكرة 'فاشستية' أو ما نطلق عليه 'القولبة' وهي تعني أن الكل يفكر ويتحدث بطريقة واحدة ويرتدي زيًّا موحدًا، وتحقيق هذا نقطة جوهرية ومسألة رئيسية في أي تفكير ديني أصولي إرهابي.

وصاحب هذا العقل الأصولي يرى أنه 'المؤمن' واليهودي والمسيحي كافرين، لأنهما يختلفان معه في العقيدة؛ بل قد يصل الأمر بالمسلم السني أن يكفر الشيعي، والإخواني يكفر السلفي، والعكس صحيح، وهو ما يعني بقاءنا في دوامة لا تنتهي من التكفير والتكفير المضاد.

أيضًا صاحب العقل الأصولي أو الإرهابي 'يكره الحياة' ويؤمن بـ'ثقافة الموت'، وبلغة فرويد: 'دافع الموت عنده أقوى من دافع الحياة'، فهو يعتقد أنه إذا دمر نفسه داخل حافلة أو مبنى سيموت شهيدًا، وأذكر أنني قرأت مقالًا لـ'حسن البنا' كان يحث فيه عناصر جماعته على الموت بهذا المعنى الذي أشرت إليه، والتيار الأصولي بالعموم تسيطر على عناصره 'ثقافة الموت'، ولديهم 'رُهاب' أو نفور من الآخر يجعلهم يرونه 'رجس'، وبالتالي يحق لهم اتخاذه 'أضحية' تخلصهم من كل ذنوبهم.

وفكرة قتل شخص كأضحية موجودة في التاريخ الإسلامي، ولدينا مثال فيما حدث في الجعد بن درهم، الذي قُتل يوم عيد الأضحى على يد والي الكوفي في عهد الحاكم الأموي هشام بن عبد الملك، وقبل قتله قال الوالي وهو على المنبر: 'أيها الناس ضحـُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم'، ولذلك ما نراه اليوم من أعمال إرهابية مشابهة هو تكرار لما فعله والي الخليفة الأموي، وعندما تشاهد ما يفعله عناصر تنظيم داعش الإرهابي تُيقن أنهم لا يفعلون هذا من فراغ؛ هم يستدعون صور لهذا الماضي المرعب.

وللأسف هذه البنية العقلية الإرهابية، هي الأكثر قبولًا في مجتمعنا المعاصر من البنية العقلية المتسامحة، وتلقى رواجًا بسبب فائض العنف الموجود في المجتمع، نتيجة الفقر والخوف من المستقبل واضمحلال الفنون، وهنا أود التأكيد على أن أغاني المهرجانات والتطرف الديني وجهان لعملة واحدة فكلاهما يشكل 'الخواء الإنساني'، ووجه التشابه أن هذه الأغاني تحض على العنف والقتل وتشجع على تعاطي المخدرات وتدفع إلى اغتصاب الفتيات، والإرهابي يقدم خطاب عنف.

الدكتور حسن حماد - أستاذ الفلسفةالدكتور حسن حماد - أستاذ الفلسفة

♦♦ في كتابات لك تقول: 'إن أمريكا تبحث دائمًا عن حل سحري في الأصولية الإسلامية'؛ فهل فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة يعني عودة الإخوان مرة أخري في الشرق الأوسط؟

♦ استخدام جماعات الإسلام السياسي أو التنظيمات الإرهابية في تنفيذ أغراض سياسية وامبريالية واستعمارية 'لعبة مريحة جدًا'، والمخابرات الأمريكية تُجيد هذه اللعبة، وكان لها تجربة ناجحة في أفغانستان، استطاعت خلالها استخدام المجاهدين الأفغان في القضاء على الاتحاد السوفيتي وتفكيكه، إضافة إلى أن عمر عبد الرحمن كان لاجئًا في الولايات المتحدة وتزوج من أمريكية، ولا ننسى أن أسامة بن لادن 'صناعة أمريكية'، وحتى هذه اللحظة ما زال الأمريكان يلعبون بتنظيمات إرهابية مثل: داعش، وبوكو حرام، وجيش النصرة، وغيرهم، ويتخذونهم أداة في زعزعة منطقة الشرق الأوسط من أجل تحقيق حلم قديم يقوم على تشرذم وتفكيك وتفتيت دول المنطقة.

اقرأ أيضًا: الدكتور سعد الدين إبراهيم: الشارع العربي استقبل فوز "بايدن" بحذر وتخوف لأنه "مضلل".. و"ترامب" لم يكن نزيها مع العرب والمسلمين (حوار)

وإذا طبقنا ما سبق على الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، ففي رأيي أن قواعد اللعبة تتغير ولا تظل على ثباتها، ولذلك لن يكرر بايدن ما فعله باراك أوباما؛ لأن المرحلة مختلفة، وهناك متغيرات كثيرة حدثت في المنطقة، إضافة إلى أن أمريكا لا تخضع لسلطة فرد، لأنها دولة مؤسسات، والأهم أن الإحساس بالخطر من بقاء جماعات الإسلام السياسي وأيديولوجيتهم التي تريد أن تفرض نفسها على 'علمانية الغرب'، أصبح يسيطر على فرنسا وجميع دول أوروبا، للحد الذي خلق حالة من الهلع داخل هذه الدول التي صنعت جماعات التطرف والإرهاب؛ إلا أن الأداة أحيانًا تغترب عن صاحبها وتقلته.

♦♦ بالعودة إلى المنطقة العربية نجد أن المملكة العربية السعودية بدأت اتخاذ خطوات جادة للتخلص من الفكر المتطرف، بينما نحن في مصر صرنا أكثر تمسكًا بهذا الفكر؛ ما السبيل إلى التخلص من لوثة التطرف التي أصابت المجتمع المصري؟

♦ بالفعل السعودية بدأت تتخلص من كابوس الفكر المتطرف، وتخطو خطوات جادة نحو التغيير والإصلاح، بعد أن كانت تمثل نموذجًا صارخًا لما يُسمى بـ'الإسلام الوهابي'، وهذا يؤكد أن التغير 'يبدأ من أعلى' أي بقرار سياسي من السلطة العليا التي إذا أرادت التغير يمكن أن يتغير المجتمع.

وما يحدث في السعودية هو مؤشر طيب وجيد يُعطينا شيئًا من الأمل في إمكانية تغيير الخطاب الديني في مصر؛ لأن المملكة تمثل قمة أو قلعة السلطة المقدسة بالنسبة للعالم الإسلامي، وبالتالي التغيير الذي يحدث سوف يلقي بظلاله على معظم الدول العربية ومنها مصر.

اقرأ أيضًا: د. أحمد كريمة لـ"أهل مصر": الميزانية المخصصة للأزهر ليست من أموال الدولة.. "دي فلوس أجدادنا" (حوار)

وإذا تحدثنا عن مصر؛ ففي رأيي أنه يجب تحييد المؤسسة الدينية وأن تكون مختصة بالشأن الديني فقط، ويجب وضع حد لمحاولات هذه المؤسسة التغول على الشأن المدني والحياة اليومية ومراقبة الضمائر والعقول والمطبوعات، كذلك نحن بجاجة إلى تغيير المادة الثانية من الدستور؛ لأن العقل الجمعي المصري يمضي في طريق الفكر الديني العنيف، كما نحتاج إلى إعادة صياغة للخطاب الإعلامي المُقدم، وإلى ثورة في التعليم؛ لأن 'علمنة التعليم' جزء رئيس من 'علمنة العقل'.

الدكتور حسن حماد في حواره لـ الدكتور حسن حماد في حواره لـ 'أهل مصر'

♦♦ تقول: 'إن الخطاب الديني الرسمي الذي يمثله الأزهر خطاب أصوليٌ متزمت'؛ هل ترى الأزهر عقبة في وجه الإصلاح؟

الأزهر مؤسسة من مؤسسات الدولة، ومن هذا المنطلق نُكن له كمؤسسة شرعية كل الاحترام والتقدير؛ لكن هذه المؤسسة لابد وأن تلتزم بحدودها أو بإطارها المنهجي الديني وألا تتوغل على بقية المؤسسات وتحاول أن تمارس الوصاية على الجموع أو على الدولة لأن هذه مسألة خطيرة جدًا.

اقرأ أيضًا: أحمد عبده ماهر: الأزهر لن يجدد الخطاب الديني.. وأطالب بإغلاقه 10 سنوات (حوار)

وهنا يجب أن نشير إلى أن الأزهر مؤسسة غير متجانسة، بمعنى أن فيها كل التيارات؛ فهناك أناس من المنتمين إليها في قمة الاعتدال والوسطية، وهناك من ينتمي للإخوان أو التيار السلفي.

الدكتور حسن حماد في حواره لـ الدكتور حسن حماد في حواره لـ 'أهل مصر'

♦♦ لديك رؤية ربما يراها البعض صادمة، تقول فيها: 'الحوار بين الأديان والتسامح الديني، شعارات فضفاضة لا تعني شيئًا محددًا؛ لا حوار بين المقدسات، ولا ائتلاف بين المذاهب والطوائف الدينية'؛ لماذا ترفض الحوار بين الأديان وتراه أمرًا غير مجديًا؟ ثم إذا سلمنا بما تقوله فما البديل؟

♦ إقامة حوار بين ممثلي الأديان أمر غير ممكن. ممثلو الأديان لن يلتقوا إلا بشكل إعلامي يتبادلون فيه القبلات ويحتسون الشاي أو يتناولون الطعام فقط، ويظل كل فريق متمسك بأطروحاته وبمسلماته ولا يمكن أن يتنازل عنها، لأن الدين يعتمد علي التعصب الذي بالرغم من أنه سمة مقيتة ومكروهة؛ إلا أنه جزء من الإيمان.

لذلك لا يوجد حوار بين المقدسات وبين المُسلمات؛ لأن أتباع كل مقدس (وخاصة المقدسات الإبراهيمية) يعتقدون أنفسهم أصحاب الديانة الصحيحة دون غيرهم، وأنهم الأقرب إلى الله، ويتساوى في هذا الاعتقاد المسلم والمسيحي واليهودي، وإن كانت هذه المسألة تظهر بصورة أعلى لدى المسلم؛ لأن ما ساد في معظم تاريخ الإسلام هو فكرة أن القرآن كلام الله القديم، وهذه مسألة جوهرية تسببت في تجميد فهم النص، وهي على عكس رؤية المعتزلة التي تقول: 'كلمات الله مخلوقة أو محدثة'.

اقرأ أيضًا: خالد منتصر لـ"أهل مصر": تبني بعض شيوخ الأزهر للفكر الوهابي أصاب العقل المصري بـ"الشلل" (حوار)

الحوار يرتبط بالفكر والمساواة وحرية الرأي ولابد أن يقوم على أسس أهمها أنه لا أحد من المتحاورين يمتلك الحقيقة المطلقة، ولا أحد منهم يمثل أفضلية أو له مرتبة أعلى من الآخر. الحوار يجب أن يكون خاليًا من 'الهيراركية' (تفاوت في المراتب أو الأدوار) وأن تسوده المساواة، ولابد أن يقوم منذ البداية على العقل وأفكاره؛ ولهذا أرى الحوار بين المقدسات 'نوع من التهريج' أو 'محاولة للضحك على العقول'.

الدكتور حسن حماد - أستاذ الفلسفةالدكتور حسن حماد - أستاذ الفلسفة

♦♦ كيف قرأت الهجمة التي قوبلت بها تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سواء على المستوى الشعبي أو على الرسمي ممثلًا في المؤسسة الدينية؟

♦ الجماهير لديها تعطش في الالتفاف حول قضية، وأظن أن الإخوان لعبوا دورًا في هذه الهجمة عن طريق خلق قضية وهمية تجتمع حولها مشاعر المسلمين، وهنا يجب أن نلتفت إلى أن مسألة خلق 'عدو وهمي' هى فكرة فاشستية مثلما كان يتصور هتلر أن اليهود هم الرجس في العالم وأنك حينما تتخلص منهم ستتخلص من الوباء، وهذه نفس الفكرة وهى استحضار رمز لـ'عدو' حتى لو كان وهميًا تلتف حوله المشاعر المتعطشة لقضية ولهوية ولأن تشعر بذاتها، وهو ما يمكن أن نصفه بـ'خلق حالة من الدراما المفقودة في الواقع'.

اقرأ أيضًا: عبد الغني هندي: التيار الإلحادي اخترق الأزهر.. هناك قيادات داخل المؤسسة ضد الإصلاح.. وهذه رؤيتي لنقل تبعية الكليات العلمية إلى المجلس الأعلى للجامعات (حوار)

الجماهير من الممكن أن تكون مكبوتة بصورة أو بأخرى، وواقعنا خالٍ من أي قضية تثير وتلبي أو تشبع هذه المشاعر المكبوتة، إضافة إلى (وهذا هو الأهم والأخطر) أن الجماهير لديها فائض كبير جدًا من العنف قد تستخدمه إما ضد نفسها أو ضد الآخر، ولذلك هم وجدوا في الهجوم على الرئيس الفرنسي رمزية لتفريغ هذا الفائض في صورة مواجهة الآخر الذي ينظرون إليه نظرة حسد واستعلاء، ويتوهمون أنهم أصحاب الحضارة الأقوى، وأنهم يجب أن يلعنوا الآخر ويستعلوا عليه ويحقرونه ويصورنه وكأنه رجس ومن الممكن أن يُقتل، ويعتبرون هذا الفعل الشنيع 'فعلٌ مقدس'.

وللأسف المسلمون في مصر وفي الشرق عموما يرفضون الاقتناع بأن الغرب يؤمن بحرية التعبير، وهم غير قادرين على استيعاب أن الآخر يفكر بطريقة مختلفة ومغايرة، وفي قناعاته أن حرية الرأي شيء مقدس، ومن هنا تأتي مشكلة 'شيطنة الآخر'، وأنا هنا أتسأل: ماذا لو قام ماكرون بإجلاء ملايين المسلمين من علي أرض فرنسا؟ ما حدث 'هوجة' لا معنى لها؛ لأنها أضرت بالإسلام ولم تفيده.

الدكتور حسن حماد - أستاذ الفلسفةالدكتور حسن حماد - أستاذ الفلسفة

♦♦ تقول: «ما يتم تداوله الآن تحت مسمى تجديد الخطاب الديني أمرٌ سياسي ولا يتعدى ذلك ليصل إلى تغيير بنية الخطاب الديني»؛ هل تري الخطاب الديني قابلًا للإصلاح أم أنه خطاب جامد؟ وإذا كان قابلًا للتجديد؛ فما هي رؤيتك حيال هذا الأمر؟

♦ مسألة تغيير الخطاب الديني تخضع لتغيير ثقافة ومناخ عام، ومن غير الممكن إحداث عملية التغيير بـ'جرة قلم'، وهناك من يقتصر التجديد على توجيه نقدٍ للكتب التي تُدرس في معاهد الأزهر وجامعته على أساس أنها تحتوي أفكارًا تكفيرية وغريبة مثل رضاعة الكبير وبول البعير وغيرها، وهؤلاء يقولون إننا إذا حذفنا هذه الأفكار من المناهج ستنتهي الأزمة، لكن الواقع يثبت أن القيام بهذا العمل جزء من الإصلاح وليس الكل.

واقعنا يؤكد أن خطاب العنف والتكفير منتشر ومتواجد في مناحي كثيرة لا نستطيع التخلص منها، ولذلك مسألة تغيير الخطاب الديني ستأخذ وقتًا وليست سهلة على الإطلاق؛ لأنه حتى تحرير هذا الخطاب من بعض المرويات والأحاديث التي تتنافى مع العقل وتتعارض مع نص القرآن الكريم هذا عمل لن يرضى عنه الشيوخ والعاملين بالأزهر؛ لأنها مسألة مصيرية بالنسبة لهم.

اقرأ أيضًا: "بكائية هدم المساجد".. هل تنجح الجماعات الإسلامية في تشويه مشاريع الدولة التنموية بـ"استثارة العاطفة الدينية"؟

المسألة تحتاج إلى 'سياسة فوقية' أو قرار من قبلِ السلطة الحاكمة لتغيير هذه المسائل، ولن يتم هذا إلا بتحويل التعليم الديني إلى تعليم مدني، وأن يصبح هناك كليات متخصصة للتعليم الديني أو كليات لـ'اللاهوت' مثلما يحدث في الغرب، لكن لا معنى مطلقًا لبقاء كليات مثل: الهندسة والعلوم وغيرها في الأزهر؛ هذه ازدواجية لا معنى لها. حتى تحرر الخطاب الديني وتصلحه وتغيره لابد من فصل الخطاب التعليمي عن الخطاب الديني.

اقرأ أيضًا: علي الدين هلال: تجديد الخطاب الديني لا ينبغي أن يكون قصرا على رجال الدين

تغيير الخطاب الديني مسألة حضارية وثقافية وتحتاج إلى وقت طويل جدًا، لكن ما نملكه وتملكه السلطة الحاكمة هو فصل الديني عن السياسي وعن الفضاء العام، وهذا لا يعني إلغاء الدين؛ بل المطلوب تحييد الخطاب الديني، وأن يصبح رجل الدين له سلطة داخل مؤسسة الأزهر دون أن تتجاوز حدود هذه المؤسسة، كما نحتاج إلى وضع حد لفوضى الفتاوى التي أصبحت تهدد المجتمع.

وأخيرًا أؤكد مرة أخرى أن إصلاح الخطاب الديني لابد وأن يأتي بقرار تقوم به الدولة لوضع الحدود الفاصلة بين ما هو مقدس وما هو دنيوي، ويجب إعادة النظر في المادة الثانية من الدستور، وغربلة بعض القوانين مثل ازدراء الأديان وغيرها من القوانين التي تقف عقبة في طريق حرية المثقف والتفكير.

الدكتور حسن حماد في حواره لـ الدكتور حسن حماد في حواره لـ 'أهل مصر'

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً