♦♦ مسلمو أوروبا يستقون معلوماتهم الدينية من 'بير السلم'.. ولا يعرفون عن الإسلام سوى المفاهيم التراثية المتشددة
♦♦ يوسف القرضاوي مرجعية الإخوان في الغرب.. ورصد تواجد التنظيم في أوروبا يحتاج إلى دراسات متخصصة ومتعددة
♦♦ ألمانيا وبريطانيا أرض خصبة لـ'الفكر المتشدد'.. وأردوغان استخدم الأئمة الأتراك في ممارسة أغراض غير مشروعة
♦♦ الجيل الثالث من مسلمي أوروبا يعانون من مشاكل في الهوية.. وكونوا مجتمعًا موازيًا يعتنق فكرًا ضد النظام الديمقراطي
♦♦ الإخوان يعتمدون على 'إستراتيجية الخداع' للتوغل في أوروبا.. وحصر أعداد المنتمين للتنظيم الدولي أمر مستحيل
♦♦ التيارات الإسلامية في الغرب أكبر المستفيدين من العلمانية.. وتكفيرهم لـ'الأنظمة الديمقراطية' تناقض ومفارقة عجيبة
♦♦ الشباب المسلم في ألمانيا يعيش في عزلة عن المجتمع.. والمتشددون يستقطبون هؤلاء التائهين لصالح الجماعات المتطرفة
الدكتور عاصم حفني - أستاذ الدراسات والحضارة الإسلامية
بين الدين والسياسة، علاقة شائكة وصراعٌ ما زال يفرض نفسه على مسار الفكر الإسلامي - حتى اليوم، ومنذ عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق وحتى يومنا هذا انقسم المسلمون إلى فريقين؛ الأول يرفض بالكلية الفصل بين الدين والسياسة، وينادي باستحضار مصطلحات إسلاموية أبرزها الحاكمية، والدعوة إلى إقامة الخلافة الإسلامية، ورفض الآخر وتكفيره، وتغول رجال الدين على جميع مناحي الحياة... إلخ هذه المصطلحات التي يمكن اختصارها في عبارة 'حضور الدولة الدينية'.
بينما يقف الفريق الثاني على النقيض تمامًا؛ إذ أن هؤلاء يرون أن الإسلام دينٌ وليس دولة، ولذا هم يطالبون بضرورة الفصل بين الدين والسياسة؛ لأن الإسلام لم يعرف شكلًا محددًا للحكم، وترك هذا الأمر للمسلمين أنفسهم يحددونه وفقًا لما يتماشى مع مقتضيات الزمان والمكان الذي يعيشون فيه، ويرفض هؤلاء أي محاولة من رجال الدين لفرض وصاية على المجتمع.
وهنا وبين الفريقين تبرز عدة إشكاليات منبعها الرئيسي علاقة الدين بالسياسة؛ من هذه الإشكاليات: علاقة المسلمين بالآخر، وسبل اندماج المسلمين في المجتمعات غير المسلمة، وعلاقة الإسلام بالأصوليات الدينية، وعلاقة الإسلام بالعلم، وغير ذلك من الإشكاليات والقضايا الهامة التي نناقشها في حوارنا مع الدكتور عاصم حفني، أستاذ الدراسات والحضارة الإسلامية بجامعتي ماربورج ومونستر بألمانيا.
والدكتور عاصم حفني، 'أزهري' منذ الصغر، وعقب تخرجه عمل بالتدريس في جامعة الأزهر لسنوات عدة، قبل أن يغادر إلى ألمانيا حاملًا لواء تدريس الثقافة العربية في جامعات أوروبا، إلى جانب توليه مهمة منسق دراسات العقيدة الإسلامية، وتأهيل الأئمة بولاية هسن في ألمانيا، وتأسيسه مع زملاء آخرين مبادرة 'أزاهرة يستنيرون'، وهو مُكلف في الفترة الحالية بإعداد مشروع بحثي كبير يناقش 'التطور السياسي وعلاقته بالدين وتأثيره على اختلاف الأحكام والتشريعات الدينية في آخر قرنين، مُتخذًا من: مصر وتونس والسعودية أنموذجًا'.
في الجزء الأول من هذا الحوار نسلط الضوء عن قرب على طبيعة الحياة التي يعيشها المسلمون في أوروبا لنجيب على عدة أسئلة هامة في مقدمتها: من أين يستقي مسلمو أوروبا معارفهم الدينية؟ وكيف أصبح تنظيم الإخوان الدولي وتيار السلفية الجهادية والأئمة الأتراك يسيطرون على العقل المسلم في الغرب ويتحكمون في مفاصل هامة داخل الأنظمة الأوروبية؟ وهل هدف تركيا من دعم وتمويل المساجد والمراكز الإسلامية بأوربا هو ابتزاز دول القارة العجوز والضغط عليها بهذه الورقة في تكرار لما يفعله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ملف اللاجئين؟ وما هي تفاصيل خطة جماعات الإسلام السياسي التي يعملون على تنفيذها منذ سنوات وتقوم على عزل المسلمين في أوروبا عن المجتمع الذين يعيشون فيه عن طريق تشكيل 'جيتو إسلاموي' لإعلان ولايات إسلامية متشددة في قلب أوروبا؟.. وإلى نص الحوار:
الدكتور عاصم حفني في حواره لـ'أهل مصر'
♦♦ في البداية هلا نقلت لنا صورة من الواقع الذي يعيشه المسلمون في أوروبا بالعموم وفي ألمانيا بشكل خاص؟
♦ المسلمون لهم تواجد في الدول الأوروبية منذ زمن طويل مضى، وحاليًا وصلنا إلى الجيل الثالث، ولأن أوروبا متشعبة؛ فطبيعة حياة المسلمين تختلف من دولة إلى أخرى حسب تاريخ الدولة واهتمامها بالدين ودرجة فصل الدين عن السياسة؛ فعلى سبيل المثال نجد فرنسا يُطبق فيها النظام الـ'لائكي' الذي يقوم على الفصل الحاد بين الدين والسياسة، أما ألمانيا فتطبق العلاقة التصالحية التي تُعرف بـ'العلمانية المحايدة أو البسيطة'، وفي العموم هناك إطار ديمقراطي عام يُنظم الحياة في أوروبا خاصة داخل الدول الكبرى مثل: فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وهذا الإطار يسمح للمسلمين بممارسة نشاطات متعددة، وقد تمتع الجيل الأول من المسلمين الذين ذهبوا إلى أوروبا للعمل - وكذلك الجيل الثاني الذي استقر هناك - بقدر من الحرية العالية.
وأبرز مشكلة واجهت - وما زالت - المسلمين في أوروبا هي عدم وجود مصدر للمعرفة الدينية، وسبب هذا أن الدول والحكومات الأوربية كانت غير مهتمة بهذه القضية؛ لأنهم كانوا ينظرون إلى المسلمين كأشخاص قادمين من أجل العمل وسيعودون إلى بلادهم يومًا ما، وهذا دعا الجاليات الإسلامية إلى تنظيم الشأن الديني بشكل ذاتي، عن طريق الاستعانة بمرجعيات دينية من دول المنشأ، أو قيام بعض الذين ذهبوا لدراسة العلوم الطبيعية في أوروبا بتولي الإمامة بعد أن يستقوا معارفهم أو تأهيلهم الإمامي من دولة مثل السعودية، ويتم هذا بعيدًا عن رقابة الدولة.
هذه المادة الدينية أثرت في تكوين العقلية المسلمة بأوروبا - خاصة عقلية الشباب -، وأنتجت ما يمكن تسميته بـ'المجتمع الموازي' الذي يعتنق أفراده فكرًا بعيدًا عن النظام الديمقراطي وعن قيم الدولة التي يعيشون فيها، وهذا الذي أدى إلى نشأة التيارات الإسلامية داخل الدول الأوروبية بعد أن وجدت دعمًا من دول المنشأ.
والمفارقة العجيبة أن هذه التيارات الإسلامية التي نشأت في أوروبا تُكفر الغرب وتعادي النظام العلماني بالرغم من أنها أكبر المستفيدين من الحرية التي تكفلها الأنظمة العلمانية الديمقراطية هناك، وقد تجسدت هذه الاستفادة في ممارسة تلك التيارات أنشطة متعددة وموسعة وبالتالي تشعبت وكبرت دون أن يُمارس ضدها أي نوع من التضييق أو الحظر؛ ليس هذا فحسب بل إن دولة مثل ألمانيا تسمح بأي نشاط اجتماعي ثقافي وعندها بنود لتمويل هذه الأنشطة مما جعل المسلمون هناك يستفيدون من هذا، وأصبحت ألمانيا ومن بعدها بريطانيا أرض خصبة لنمو الفكر المتشدد.
الآن أدرك الغرب أن هناك خطر من وجود المسلمين المتطرفين - وليس كل المسلمين - ومن تشعب هذه التيارات التي كونت مجتمع موازٍ لم يقتصر ضرر أفراده على العادات والتقاليد في الحياة المجتمعية فقط، ولكنه انسحب على الفكر السياسي وأصبحوا يعارضون بعض القيم داخل الدول الأوروبية مثل قيم الحرية حسب الفهم الغربي مما أدى إلى ما رأيناه من قتل مدرس عرض بعض رسومات كاريكاتورية يحق لنا رفضها، ولكن رد الفعل لا يمكن أن يصل في أي حالٍ من الأحوال إلى القتل.
الدكتور عاصم حفني - أستاذ الدراسات والحضارة الإسلامية
♦♦ هل اتخذت أوروبا خطوات وقائية للحد من خطر التيارات الإسلاموية المتواجدة على أراضيها؟
♦ دول أوروبا أدركت هذا الخطر مؤخرًا وبالتحديد في السنوات العشر الأخيرة، ووجدنا دولة مثل ألمانيا كانت سباقة في التصدي لخطورة التيارات الإسلامية، وقالت نريد أن نضع حدًا لـ'إسلام يوم الأحد' كما يسمونه هناك، وهو يعني المدارس التي تعلم الإسلام وفقًا لمفاهيم متشددة يوم الأحد داخل المساجد.
وفي طريق التصدي لخطورة التيارات الإسلامية، وجدت ألمانيا أن النشء المسلم الذي يعيش على أراضيها يستقي معلوماته الدينية 'من خلف ستار' أو 'معرفة بير السلم' وفقًا للتعبير المصري البسيط، وهذا أدى إلى ظهور نزعة كراهية الآخر حتى بين الأطفال؛ فالطفل المسلم الصغير هناك يقول لزميله في الحضانة: أنت ستذهب إلى النار وأنا ذاهب إلى الجنة، ومن ثَمّ تكوين 'مجتمع موازٍ' يحمل أفراده أفكارًا تعوق الاندماج وتؤدي في النهاية إلى أن يذهب الشاب أو الفتاة إلى تنظيم داعش الإرهابي.
الدكتور عاصم حفني - أستاذ الدراسات والحضارة الإسلامية
♦♦ لماذا النسبة الأكثر من المنضمين إلى تنظيم داعش الإرهابي من الجيل الثالث من مسلمي أوروبا؟
♦ لأن الجيل الثالث لديه مشاكل في الهوية، الجيل الأول لم تكن لديه هذه المشاكل لأنه ذهب إلى أوروبا للعمل وكان يعرف أنه سيعود إلى وطنه الأصلي يومًا ما، ولذلك هؤلاء كانوا إذا وجدوا مظاهر معينة في المجتمع الألماني تتعارض مع ثقافتهم لا يعبئون لأنهم يدركون أنهم مهاجرون وسيعودون، وبدأ الجيل الثاني يشعر نوعًا ما بمشاكل الهوية ولكن لأن صورة الإسلام والمسلمين لم تكن سيئة عند الغرب، لم يعاني هذا الجيل أيضًا من مشاكل.
التصادم بدأ يحدث لدى المسلمين من الجيل الثالث؛ هؤلاء الذين عايشوا أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011، والتي أعطت الغرب صورة مغايرة تمامًا عن الإسلام والمسلمين وجعلتهم يصفون الكل بـ'الإرهاب'؛ هذا التغير جعل الجيل الثالث يشعر أنه ليس جزءًا من المجتمع الأوروبي، وأنه يُنظر إليه كإرهابي أو 'خلية نائمة' إذا لم يكن إرهابيًا.
تغيرت نظرة الأوروبيين للإسلام والمسلمين وسيطر على الجيل الثالث شعور أنهم ليسوا جزءًا من المجتمع الأوروبي، وهذا الشعور دفع الشباب المسلم في ألمانيا - على سبيل المثال - إلى الانعزال شيئًا فشيئا عن المجتمع الألماني، وأصبح يجد القرين له أو الشخص الذي يشعر بالثقة والأمان معه هو المسلم شبيهه في المسجد وليس زميله في الفصل الدراسي، وبالطبع كان الشبيه في المسجد منتميًا إلى تلك التيارات التي معظمها يكفر الآخر.
في تلك الآونة نشط المتشددون المتواجدون في مساجد كثيرة بأوروبا، وراحوا يستقطبون هؤلاء الشباب الذي لديه مشاكل في الهوية وينمون داخلهم شعور الاضطهاد وأن أوروبا تظلمهم - بالرغم من أنهم يحصلون على حقوقهم كاملة - وأخذوا يقولون لهم: 'هذه خيراتنا نهبت وسلبت'، و'هذه دول علمانية كافرة لا تطبق الشريعة'، و'هذه الدول تظلمنا، وتظلم إخواننا المسلمين في فلسطين وأفغانستان'... إلخ هذه الكلمات التي خلقت شعورًا بالعداء داخل الشباب، وحين ظهر تنظيم داعش الإرهابي أصبح كأنه ملاذًا لهؤلاء الشباب التائه الذين يعاني من مشاكل أسرية ومجتمعية واندماجية، ويريد أن يشعر بوجوده أو يفعل شيئًا ما يحقق ذاته، لذلك كان أكثر المنضمين لداعش من مسلمي أوروبا من هذا الجيل.
ولم يقتصر الانضمام إلى داعش على الشباب وحدهم؛ بل إن بعض الفتيات المسلمات كن يتطوعن للانضمام إلى صفوف هذا التنظيم للزواج من شاب كنوع من أنواع الدعم له، وتعتبر نفسها تؤدي دورًا في الجهاد بدعم ومساندة مقاتلي داعش عن طريق الزواج الشرعي وليس ما يُعرف خطئًا بمصطلح 'جهاد النكاح'، فهذا المصطلح لم يُذكر بالمعنى الذي يُروج له في الإعلام العربي حتى في أوروبا نفسها.
الدكتور عاصم حفني في حواره لـ'أهل مصر'
♦♦ من الذي يتحكم في الخطاب الديني داخل أوروبا بشكل عام وألمانيا بشكل خاص؟
♦ 75 % من المسلمين في ألمانيا قادمين من تركيا، والـ 25 % المتبقين هم العرب، وحتى سنوات سابقة لم يكن للجاليات العربية المسلمة في ألمانيا 'إمام راتب' - حسب التعبير العربي - وكان من يتصدر للإمامة هناك صنفين، الأول: طالب قدم إلى ألمانيا بغرض دراسة الدكتوراه في أي علم من العلوم الطبيعية، ولديه اهتمام بالجانب الديني بشكل أو بآخر ويحفظ الأساسيات من الدين التي تؤهله لتولي الإمامة، وهؤلاء في الغالب يكونون قادمين من تونس أو الجزائر أو مصر أو سوريا.
والصنف الثاني، شخص ألماني المولد والنشأة، ثم اعتنق الإسلام، وأعرف شخصًا كان يدرس الطب وفشل فيه وأخذ يراسل بعض الشيوخ الوهابيين في السعودية واستقى منهم معارفه الدينية ومُنح - حسب قوله - شهادة منهم تنص على أنه مؤهل للإمامة.
أما المسلمون الأتراك فلهم نظام خاص؛ إذ أن تركيا أكثر تنظيمًا وإدارة وأقدم تواجدًا في ألمانيا، وهناك جمعية تركية مشهورة جدًا في ألمانيا تسمى 'ديتيب' يصل عدد أعضاءها من 900 ألف إلى مليون عضو، وهي فرع لما يُشبه وزارة الأوقاف المصرية في تركيا، وكما أشرت إلى أن 75 % من المسلمين في ألمانيا أتراك، لذلك فقرابة الـ 70 % من هؤلاء أئمتهم من 'ديتيب'، بمعنى أن الحكومة التركية ترسل أئمة بشكل رسمي وتتكفل برواتبهم للعمل داخل المساجد الألمانية، وهذا جعل الدولة التركية هي مرجعية غالبية المسلمين في ألمانيا وهي الممثلة للإسلام والمتحكمة في الخطاب الديني هناك حسب ما يفهمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
التحكم التركي في الخطاب الديني داخل ألمانيا تسبب عقب العام 2016 في حدوث مشكلة مع الحكومة الألمانية؛ لأن أردوغان أدخل الدين في السياسة ومارس عن طريق الأئمة الأتراك أغراضًا سياسية غير مشروعة على أرض دولة أجنبية؛ إذ أنه استغل هؤلاء الأئمة سياسيًا وجعلهم يتجسسون على الأتراك لمعرفة من منهم ينتمي لحزب العدالة والتنمية، ومن ينتمي للمعارضة.
الدكتور عاصم حفني - أستاذ الدراسات والحضارة الإسلامية
♦♦ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تحدثت أكثر من مرة عن تفشي ظاهرة السلفية الجهادية في ألمانيا؛ هل الخطاب الديني الذي يبثه الأئمة الأتراك هناك هو السبب في ظهور هذا التيار المتطرف؟
♦ الأتراك لديهم مشاكل عدة في ألمانيا؛ منها ما يتعلق بالسياسة، ومفهوم الدولة، والولاء للدستور الألماني أم لدولة المنشأ، لكن الخطاب الديني الذي يبثونه بين مسلمي ألمانيا ليس السبب في ظهور السلفية الجهادية؛ لأن غالبية المنتمين إلى هذا التيار المتشدد من الجاليات العربية، وبالأخص من الجزائر ومصر وتونس والمغرب.
وهناك من ينتمي إلى السلفية الجهادية من الألمان الذين اعتنقوا الإسلام وفق مفاهيم متطرفة؛ فبعض هؤلاء - مسلمين وغير مسلمين - يمر بمشاكل نفسية أو يعاني من انفصال في الأسرة أو عدم نجاح في الدراسة وفي العمل، ويريد أن يصل إلى التشدد ضد المجتمع الألماني الذي نشأ فيه؛ فمنهم من يلجأ إلى التطرف في الموسيقى، ومنهم من يلجأ إلى التطرف في الرسومات و'التاتوهات'، وبعضهم يقول سأتطرف عن طريق اعتناق الإسلام.
وبالتأكيد اعتناق الإسلام ليس شيئًا سيئًا؛ لكن الواقع في ألمانيا يشير إلى أن معظم من يعتنق الإسلام من الشباب الألماني أصحاب مشاكل اجتماعية ونفسية، لذلك هؤلاء عندما يعتنقون الدين الإسلامي على أيدي عناصر متطرفة تجدهم يقودون الحركات المتشددة مثل السلفية الجهادية وغيرها.
الدكتور عاصم حفني في حواره لـ'أهل مصر'
♦♦ هل هذا يعني أن هؤلاء الشباب الألمان لا يعرفون عن الإسلام سوى المفاهيم التراثية المتشددة؟
♦ نعم هذه حقيقة، هم لا يعرفون سوى المفاهيم المتشددة؛ لأن الذي يلعب الدور الأكبر في تكوين شخصية الواحد من هؤلاء الشباب هو: كيف أسلم؟ وأين أسلم؟ وعادة غالبية الشباب الألمان يعلنون اعتناقهم الدين الإسلامي في مسجد سلفي، والسبب وراء هذا أن السلفية هناك تُقدم خطابًا بسيطًا يعتمد على 'إما، أو' و'صواب، وخطأ'، والشخص التائه الضائع صاحب المشاكل الاجتماعية يحتاج طريقًا واضحًا وصريحًا بدون عناء أو تفكير، طريقًا يقول له هذا صواب وذاك خطأ، وهذا حرام وذاك حلال، دون الدخول في أي مناقشات أو تفاصيل أخرى.
♦♦ وماذا عن التواجد الإخواني داخل أوروبا؛ خاصة أن التنظيم الدولي يسيطر على غالبية المساجد والمراكز الإسلامية هناك؟
♦ هذا موضوع معقد؛ لأن التواجد الإخواني في أوروبا يحتاج إلى دراسات متخصصة ومتعددة، والشيء الذي يجب أن ننتبه إليه هو أن كثير من الإخوان هناك - خاصة الذين نشئوا في الغرب - يُقدمون خطابًا يمكن أن يوصف بأنه غير متطرف، والخط الجامع بين التيار الإخواني ككل - حتى أبعدهم عن صلب الفكرة القطبية الجهادية المكفرة للمجتمع - أن الجميع في النهاية يبقى داخل الإطار العام للفكرة الإخوانية.
كما أن الإخوان في أوروبا يمتازون بحسن التنظيم وهو يشبه بالكلية ممارساتهم في مصر، مع مراعاة أن فرص تشعبهم وتغلغلهم في الغرب أكثر؛ لأن الأنظمة الديمقراطية هناك تكفل لهم - كمواطنين أوروبيين - الحرية التي تمكنهم من تسجيل أي جمعية بكل سهولة، وبالتالي يستطيعون من خلال هذه الجمعية تكوين جمعية كبرى تكون سقفًا لجمعيات أصغر تعمل لخدمة التنظيم.
الدكتور عاصم حفني - أستاذ الدراسات والحضارة الإسلامية
♦♦ من هو المرجعية الفكرية للإخوان في أوروبا؟
♦ يوسف القرضاوي، يُعد المرجعية الأساسية للفكر الإخواني في أوروبا، واستطاع بمعاونة دول كثيرة - من بينها دول عربية - أن يكون مجلس إفتاء أوروبي، وكان لعضو التنظيم الدولي خالد حنفي، دور في هذا المجلس، ثم شكلوا ما يُعرف بـ'الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين'.
وقد نجح الإخوان عن طريق هذا المجلس وذاك الاتحاد إضافة إلى أعمال أخرى أن يسيطروا على بعض المفاصل المؤثرة في الأنظمة الأوروبية، واستغلوا هذه السيطرة في تحريض الاتحاد الأوروبي للضغط على بعض الدول العربية من جانب الحريات وحقوق الإنسان... إلخ.
وحتى وقت قريب، كان يوسف القرضاوي عندما يزور ألمانيا يقابل باحتفاء وترحيب غير مسبوق، إلى أن أصدر فتواه المشهورة بجواز العمليات الانتحارية ضد المدنيين والجنود الإسرائيليين، وهذه الفتوى سببت حرجًا له ولألمانيا التي لها موقف إيجابي من إسرائيل؛ فمنع من دخول الأراضي الألمانية.
الدكتور عاصم حفني - أستاذ الدراسات والحضارة الإسلامية
♦♦ هل لدينا إحصائية رسمية بعدد الجمعيات أو المساجد التي يسيطر عليها الإخوان في ألمانيا؟
♦ لا ليس لدينا، والسر وراء عدم وجود إحصائية رسمية بعدد الجمعيات أو المساجد التي يسيطر عليها الإخوان في ألمانيا تكمن في أمرين، الأول: أن هناك مساجد كثيرة في ألمانيا ينفي القائمين عليها عن أنفسهم التبعية التنظيمية للإخوان، ويكتفون بالإعلان عن أنهم أقرب إلى الفكر الإخواني.
ويوجد في ألمانيا جهاز حكومي أنشئ عقب الوحدة يسمى 'هيئة حماية الدستور'، وهو يشبه جهاز أمن الدولة أو الأمن الوطني في مصر، هذا الجهاز له توصيات وتصنيفات معينة من بينها أنه يضع غالبية المساجد التي لا توصف نفسها بـ'الإخوانية' تحت وصف 'الإخوان' ويفرض عليها نوعًا من المراقبة وحزمة من التقيدات.
الأمر الثاني: أن سيطرة الخطاب الإخواني وتوغله في ألمانيا يتم بشكل غير تنظيمي رسمي على مستوى الأفراد، وهي إستراتيجية يصعب معها حصر أعداد المنتمين للتنظيم مثلما يصعب حصر المساجد والجمعيات التابعة له، فعلى سبيل المثال نجد أن عملية حصر أعداد المسلمين الأتراك المنتمين لتيارات إسلامية مسألة سهلة لأن غالبيتهم منخرطين في جمعيات مثل 'ديتيب' التي أشرت إليها من قبل، وفي المقابل يصبح هذا الأمر صعبًا إن لم يكن مستحيلًا فيما يتعلق بأعداد المسلمين العرب التابعين لتنظيم الإخوان الدولي؛ لأنهم غير منخرطين أو غير مقيدين كأعضاء في الجمعيات الإخوانية، لذلك لا تستطيع ألمانيا معرفة أعدادهم بدقة.
وهناك مثال ثانٍ يوضح أكثر إستراتيجية الخداع التي يعتمد عليها الإخوان في أوروبا، وهو أن المجلس الأعلى للمسلمين، الذي يعبر عن المسلمين العرب فقط، تبرأ بوضوح منذ عام سابق من تنظيم الإخوان وأفكارهم، وما يؤكد أن هذا التبرؤ مجرد مراوغة وإستراتيجية وتكتيك متفق عليه، أن هذا المجلس كان موصوفًا من قبلِ هيئة حماية الدستور الألمانية بأنه تنظيم إخواني.
كل هذه الوقائع والأمثلة تؤكد صعوبة إحصاء أعداد المنتمين لتنظيم الإخوان الدولي في ألمانيا، لأنهم يراوغون ولا يعترفون بإخوانيتهم؛ لذلك العملية دائمًا تحتاج إلى تفسير أدق ومعرفة عن قرب، والخلاصة أن الإخوان - حسب معرفتي الشخصية - موجودون وبقوة في ألمانيا، وبالطبع تواجدهم يختلف عن التواجد السلفي من حيث أن الإخوان أكثر تنظيمًا في التنظير بالدين واستخدامه في السياسة وخدمة أهدافهم، بينما السلفيون لهم أهداف أخرى.
في الجزء الثاني من الحوار:
لماذا يغيب الأزهر عن المساجد والمراكز الإسلامية في أوروبا؟
هل الغرب راغب في التخلص من الإخوان وباقي جماعات الإسلام السياسي؟
هل أصبح الإسلام أصبح بالفعل يعيش في أزمة؟
كيف أثرت الهجمة ضد الرئيس الفرنسي على تعامل الأوروبيين مع المسلمين المقيمين هناك؟