على بُعد 8 كيلو مترًا فقط عن مدينة الفيوم يأخذك مُنحدر تحيط به الأراضي الزراعية من الجانبين، إلى قرية صغيرة، التي ما أن تدخلها يجذبك تلك الخيول العربية الأصيلة المُنتشرة في شوارعها، وهؤلاء الأطفال والشباب الذين يروضون الخيول وسط المارة، بينما تنظر إلى الجهة الأخرى فتجد تلك الخيول التي ترقص على الأنغام والأغاني المختلفة.
«دمو»، تلك القرية البسيطة الهادئة كانت عبارة عن تجمع سكني لبناة هرم «هوارة» في عهد الملك «أمنمحات الثالث»، منذ 6 آلاف عام، ثم عفى عليها الزمن ولم يسمع عنها أحد شيئًا لقرون طويلة.
بداية الإنطلاق
في عام 1978 ذهب ثلاثة شباب من القرية للعمل في تدريب الخيول العربية الأصيلة بنزله السمان بالجيزة، بعدما فقدوا الأمل في العثور على فرصة عمل حكومية، فتدربوا كثيرًا وبرعوا في تدريب الخيول، وتعرفوا على العديد من الأمراء العرب، فعادوا إلى قريتهم وبدأوا تدريب أسرهم على ترويض الخيول، واشتروا الخيول العربية الأصيلة وبدأوا يتواصلوا مع العرب والأجانب لتدريبهم.
قرية 'دموط' بالفيوم.. موطن الخيول العربية الأصيلة
يُعرف الخيل العربي الأصيل بـ«ملك جمال الخيول» فقوامه ممشوق وشكله جذّاب، وتجارته رائجة، كل تلك العوامل كانت وراء وقوع سكان «دمو» في غرام الخيل وتربيته، حيث لا يخلو منزل في القرية من الخيول العربية الأصيلة ومن مُدربيها حتى أصبح يأتي إليها الجميع من كل حدبٍ وصوب لتدريب أبنائهم على الفروسية.
ويُشارك أهالي القرية في مسابقات «ملك جمال الخيول» تلك التجارة الرائجة والرابحة بالنسبة لهم بخلاف الفروسية وهي تكون باستعراض حُسن الفرس.
معايير الحُسن
«ممشوق القوام، مستقيم الظهر، مضبوط الرأس، واسع العينين، صغير الأذنين»، هذه مواصفات الخيل العربي الأصيل، وأكثرها جاذبية أصفر اللون حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُمن الخيل في شقرها»، أمّا أفضلها وأغلاها سعرًا هو «الأسود اللون» وخصوصًا «الأدهم»، الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم»، تلك أبرز الصفات التي يجب أن تتوافر في خيل «الجمال».
قرية 'دموط' بالفيوم.. موطن الخيول العربية الأصيلة
ليس فقط «جمال الخيول»، هو المُسيطر على القرية فهناك الكثير من الخيول تولد بمواصفات لا تصلح لمسابقات الجمال فبدلًا من ذلك تستخدم للفروسية، أو لـ«الأدب» فيتم تدريبها على الرقص وتستخدم في مسابقات الرقص أو في الأفراح والمناسبات المختلفة، ويُجامل بها أهالي القرية بعضهم البعض في الأفراح والمناسبات عبر تقديم فقرة رقص بالخيل.
بلد الألف مدرب
ذاع صيت شباب قرية دمو بالفيوم في جميع أنحاء العالم، وأصبحوا يُطلبون بالاسم للعمل في تدريب الأمراء العرب على الفروسية في عدة دول منها الكويت والإمارات والسعودية والبحرين، بالإضافة إلى عمل آخرين منها في دول أجنبية أشهرها بولندا وهولندا.
يقول محمد كمال، أحد أهالي القرية، والذي يُدرب أحد الخيول خلال أجازته الصغيرة التي أخذها من عمله في الكويت، لـ«أهل مصر»: إنه يعشق الخيل منذ نعومة أظافره، وورث تدريبه أبًا عن جد، ومن شدة حبه لها شيد مزرعة للخيول في القرية ليقضي فيها أجازته التي لا تتجاوز الشهر كل عام لأنّه لا يستطيع البُعد عنها أو قضاء يوم بدونها.
وأوضح كمال، أن القرية تمتلك أنواعًا كثيرة من الخيول العربية الأصيلة الفريدة، التي تتميز بنعومة الوجه، بالإضافة إلى أوراق نسبها وشجرة العائلة الخاصة بها، ونتيجة تحليل «DNA» الخاص بها، وأخيرًا الختم الأصلي للخيل أسفل رقبته.
قرية 'دموط' بالفيوم.. موطن الخيول العربية الأصيلة
وأشار إلى أن تدريب الخيول للمشاركة في مسابقة الجمال صعب جدًا ولا يُمكن أن يتم إلا من خلال مُدرب مُتمرس تدرب على ذلك منذ طفولته، موضحًا أنّه يُمنع منعًا باتًا امتطاء خيل الجمال، ولكن منذ ولادتها يتم رعايتها وتدريبها منذ عُمر الشهرين، من أجل إبراز عضلاتها، وتغذيتها بشكلٍ جيد، وتدريبها على ممارسة الرياضة الخفيفه، وتعليمها إشارات وكلمات المدرب ليفهم أوامره بعد ذلك.
وبيّن أنّ أهم شئ يجب تدريب «خيول الجمال» عليه هو الجري والسير بطريقة صحيحة وألا تتقدم قدم عن الأخرى، وتقسيم جسم الحصان، ثم الوقوف والثبات بطريقة صحيحة، والرقبة الممشوقة التي تأتي عبر تدريب رقبة الخيل باستمرار، وتعليم الخيل مد رقبته وجذبها حسب تعليمات المُدرب.
خيول الفروسية
خلال تدريب الخيول في فترة طفولتها، قد يلاحظ المُدرب بعض الخيول المرتفعة القوام وصاحبة النفس الطويل، فيوجهه للتدريب على الفروسية للمشاركة في مسابقات السرعة وقفز الحواجز والفروسية.
قرية 'دموط' بالفيوم.. موطن الخيول العربية الأصيلة
ونوّه كمال، إلى أنّ غذاء الحصان الأساسي هو «الذرة والشعير»، ولكن عندما يُتقن التدريبات أو يقوز في مسابقة، أو يكون مُطيعًا لمُدربه يتم مكافئته بإطعامه «السكر والجزر والبطاطا».
وتعد أسعار الخيول العربية الأصيلة مرتفعة جدًا، حيث تتراوح بينّ 200 ألف جنيهًا وحتى 10 ملايين جنيهًا، حسب النوع وشجرة العائلة والسلالة والسن، وفقًا لأصحاب الخيول بالقرية.
وتضم قرية دمو 6 مزارع كبرى للخيول نصفها للخيول العربية الأصيلة ونصفها الآخر للخيول البلدي، بينما تضم محافظة الفيوم 7 مزارع خيول أخرى في أماكن متفرقة يُشرف عليها شباب القرية.