يسأل كثير من المسلمين عما يمكن أن يفعلوه في موسم الحج بعد أن قررت المملكة العربية السعودية أن يقتصر الحج هذا العام على حجاج الداخل من المقيمين في المملكة العربية السعودية فقط. فهل يجوز توجيه الأموال التي كانت مخصصة للحج لأعمال الخير؟ هل نعطي أموال الحج للفقراء؟ وما هو رأى جمهور العلماء في ذلك ؟ حول هذه الأسئلة ذهب جمهور الفقهاء للقول بأن أداء الفرائض الدينية أول ما يطالب به المكلف، وبخاصة ما كان من أركان الدين، كما أن التطوع بالنوافل مما يحبه الله تعالى، ويقرب إلى رضوانه، وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري: "ما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به.درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وخصوصًا إذا كانت المفاسد عامة، والمصالح خاصة، فإذا كانت مصلحة بعض الأفراد أن يتـنـفل بالحج مرات ومرات، وكان من وراء ذلك مفسدة عامة للألوف ومئات الألوف من الحجيج مما يلحقهم من الأذى والضرر في أنفسهم وأبدانهم حتى هؤلاء المتنفلون أيضًا يتأذون من ذلك - كان الواجب منع هذه المفسدة بمنع ما يؤدي إليها وهو كثرة الزحام.
كما ذهب جمهور الفقهاء للقول بأن توجيه الأموال الموفرة من ذلك لأعمال الخير والدعوة إلى الإسلام، ومعاونة المسلمين في كل مكان من عالمنا الإسلامي، أو خارجه حيث الأقليات المسحوقة سوف يكون من الأعمال المندوبة للمسلم القادر ماليا على الحج طالما لم يستطع الحج في هذا العام، وأشار جمهور الفقهاء في نفس الوقت إلى أنه حتى في حالة سماح السلطات السعودية بالحج للمسلمين في الأعوام القادمة فلا ضرر من أن المسلم الذي سبق له الحج بأن يوجه أموال حج النافلة للفقراء من المسلمين لما في ذلك من توسعة على فقراء المسلمين وفي نفس الوقت لما فيه من توسيع مكان لغيرهم من المسلمين الوافدين من أقطار الأرض، ممن لم يحج حجة الإسلام المفروضة عليه؛ فهذا أولى بالتوسعة والتيسير منهم بلا ريب، وترك التطوع بالحج بنية التوسعة لهؤلاء، وتخفيف الزحام عن الحجاج بصفة عامة، لا يشك عالم بالدين أنه قربة إلى الله تعالى، لها مثوبتها وأجرها "وإنما لكل امرئ ما نوى"، ومما يذكر هنا: أن جنس أعمال الجهاد أفضل من جنس أعمال الحج، وهذا ثابت بنص القرآن، وذلك مصداقا لقول الله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}