يستدل بعض الفقهاء بحديث منسوب للنبى صلى الله عليه وسلم في وجوب السمع والطاعة العمياء للحاكم حتى إذا صدر منه ما يظلم به الناس، وهذا الحديث منسوب لحذيفة بن اليمان على طاعة الحكام طاعة عمياء، وجاء في الحديث عن حذيفة بن اليمان: قلت: ( يا رسول الله، إنا كنا بشر ، فجاء الله بخير ، فنحن فيه ، فهل من وراء هذا الخير شر ؟ قال : نعم ، قلت : هل وراء ذلك الشر خير ؟ قال : نعم ، قلت : فهل وراء ذلك الخير شر ؟ قال : نعم ، قلت : كيف ؟ قال : يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ، ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ، قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله ، إن أدركت ذلك ؟ قال : تسمع وتطيع للأمير ، وإن ضرب ظهرك ، وأخذ مالك ، فاسمع وأطع ) ، وعلى الرغم من أن هذا الحديث قد ورد في صحيح مسلم إلا أن مضمون هذا الحديث يظهر أنه متناقض مع حديث آخر للنبى صلى الله عليه وسلم وهو الحديث المروي عن أبي بكر الصديق قال: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه، وهذا الحديث رواه أصحاب السنن إلاّ ابن ماجه. وعندما تظهر رواية عن النبى صلى الله عليه وسلم مناقضة لرواية حديث آخر منسوب فمن الواجب في هذه الحالة أن نبحث في صحة أيا من الروايتين .
أما حديث حذيفة بن اليمان الذي جاء فيه : تسمع وتطيع للأمير ، وإن ضرب ظهرك ، وأخذ مالك ، فاسمع وأطع، فهذا الحديث قد ورد في صحيح مسلم لكن مع ذلك فهذا الحديث ليس من الأصول عند مسلم بل هو متابع لرواية الخولاني عن حذيفة بن اليمان ومنقطع الإرسال، والحديث منقطع الإرسال هو الحديث الذي يكون فيه الراوي قد عاصر المروي عنه ولكنه لم يلتقي به، وهو ما ذكر ذلك ذلك الدارقطني وذهب لذلك الرأي النووي، لكن أصل الحديث من رواية حذيفة بن اليمان وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما والذي ورد في صحيحي مسلم والبخاري من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي قال: حدثني أبو إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟. قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟. قال: نعم، وفيه دَخَن. قلت: وما دخنه؟. قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟. قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله صفهم لنا. فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟. قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟. قال: 'فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك'. وهذا سند صحيح. وأما حديث 'وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمعْ وأطع': فهذا اللفظ زائدا على أصل الحديث، وعلى هذا فقوله في هذا الحديث 'وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك' زيادة غير ثابتة، لأن جماعة من الثقات رووه عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت بدونها، ورواياتهم في الصحيحين وعدد من مصادر السنة النبوية،