محمود بسيوني يكتب: دبلوماسية الخطوط الحمراء ‏

الكاتب الصحفي ـ محمود بسيوني
الكاتب الصحفي ـ محمود بسيوني
كتب : أهل مصر

جاء الإعلان عن وقف إطلاق النار في ليبيا وعودة كل ‏الأطراف المتنازعة إلى مائدة المفاوضات والقبول بما ‏جاء في إعلان القاهرة من التوجه إلى المسار السياسي ‏لحل الأزمة الليبية ليؤكد على نجاح التحركات المصرية ‏لاحتواء الأزمة دون الوصول إلى نقطة الصدام العسكري ‏بعدما لوحت بها أطراف إقليمية أخرى.

وأظهرت الدبلوماسية المصرية مرونة تكتيكية فذة في ‏الملف الليبي بالتعاون مع كل الأطراف الليبية دون ‏المساس بثوابت الموقف المصري المعلن والواضح و‏الرافض لفكرة هدم الدولة الوطنية واستبدالها بدولة ‏المليشيات والقواعد الأجنبية والتدخلات الإقليمية، تلك ‏الثوابت التي تتسق مع الموقف المصري المطروح لحل ‏أزمات الشرق الأوسط الملتهبة بالطرق السلمية ووفق ‏مقررات الشرعية الدولية.

وأعلنت مصر عن نفسها بدبلوماسية ترسم خطوطاً حمراء ‏تحميها قوة مسلحة رشيدة قادرة بصلابتها وخبرتها ‏العسكرية على تحجيم التحركات الطائشة والرعناء لخصم ‏أحمق يسوق قوته المسلحة في محيط مشتعل بالمخاطر ‏والانهيارات ومظاهر الفوضى الناتجة عن فشل الدولة ‏وسطوة المليشيا على القرار السياسي.

‏وأثبتت الدبلوماسية المصرية الجديدة فاعليتها في مواجهة ‏من يحاولون محاصرة مصر في ملف لتمرير ملف أخر، ‏فكانت الخطوط الحمراء حاسمة في ليبيا، والتمسك ‏بالتفاوض في أزمة سد النهضة، بعدما انهارت مظلومية ‏الجانب الأثيوبي بإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي أن لا ‏حل عسكري لأزمة سد النهضة ليسقط ورقة التوت ‏الأخيرة عن الفائز بجائزة نوبل للسلام ويضعه في ‏مواجهة مختلفة مع الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن فقط ‏باعتباره شخص يهدد الأمن والسلم العالمي بعدم التزامه ‏بالتفاوض لحل الأزمة.

‏تلك التحركات المحسوبة بدقة تطرح مصر كلاعب إقليمي ‏عاقل و نزيه، يحقق مصالحة بأدوات مشروعة، كطرف ‏يقدر الحلول الدبلوماسية ويسعى للسلام وتعزيز أطر ‏التعاون المشترك دون أي تدخل في الشئون الداخلية للدول‏، وهي مدرسة تميز إدارة الملفات الاقليمية في عهد ‏الرئيس السيسي وتفتح امام مصر أفاق مختلفة من ‏العلاقات الثنائية مع جيرانها، وهي كلها أمور ترد بذاتها ‏على أكاذيب الإعلام الإخوانى المعادي.‏

تدير مصر علاقتها الخارجية بنجاح وفق قواعد تتناسب ‏مع عصر جديد تتغير فيه معادلات القوة بشكل متواتر ‏وتحكمه محددات حرب عظمى على ادارة العالم بين ‏الولايات المتحدة والصين وهو ما يطرح على مصر ‏ودائرتها العربية والافريقية والمتوسطية تحديات كبيرة ‏تريد عقلا منفتحا وقوة عسكرية قادرة تحمى "الخيارات ‏الصعبة " والمصالح التي لا يمكن التفريط فيها.‏

وتنطلق مصر دوليا على خطوط عرض وطول راسمه ‏مسارات جديدة للتحرك المصري من أجل حل الأزمات ‏العربية المستعصية، فهي تدعم العراق وتساعد لبنان ‏دون أن تتأثر خطوط الاتصال المتينة مع السودان ودول ‏الساحل والصحراء وتشكل تحالفات مصالحيه مع فرنسا ‏واليونان وقبرص لحماية غاز المتوسط من بلطجة الحمقى ‏دون أن يغيب عن نظرها أمن الخليج ودعم الاشقاء في ‏السعودية والإمارات والبحرين.

‏صحيح أن القضية الفلسطينية لم تفقد مركزيتها التقليدية ‏فى السياسة الخارجية المصرية ولازالت مصر تدعم ‏خيارات الشعب الفلسطينية إلا أن حركتها مقيدة بغياب ‏الواقعية عن الفصائل الفلسطينية واستمرار التنازع بينهم ‏وخضوعهم لأطراف اقليمية تبحث لنفسها عن مكان على ‏الطاولة باصطناع الأزمات وهو ما يعطل أي حل نحو ‏السلام ويفقد الجميع القدرة على الحل.

‏باختصار.. أصبحت الدبلوماسية المصرية تمثل العقل ‏المفقود في الشرق الأوسط ولا تطلب سوى الرشد في ‏تحقيق المصالح .

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
"متعملش كده تاني".. رسالة القاضي لإمام عاشور في جلسة قضية فرد الأمن