كشفت الضربات الأمنية الأخيرة لجماعة الإخوان الإرهابية وآخرها سقوط محمود عزت، أحد أهم قيادات الحرس القديم، عن حجم الصراع الكبير والتناحر داخل الجماعة الإرهابية، واشتداد الصراع على السلطة بداخلها بين جناحين كلاهما مرتبط بأجندات أجنبية مختلفة، وكل منهما يسعى للسيطرة على الجماعة لتحقيق مصالح خاصة جدا هدفها الأساسي استمرار التربح المادي من وجود الجماعة بعدما انهارت سياسيا.
الغريب أن تلك الحقيقة كانت ماثلة أمام الجميع منذ لحظة فض اعتصام رابعة المسلح، وهروب القيادات إلى الخارج وترك العناصر الصغيرة تواجه مصيرها وحدها، بحجة أن القيادات ستتمكن من الدفاع عن الجماعة واستعادة السلطة عبر التواجد في الخارج والاتصال بالحكومات الغربية وإعلامها ومنظمات حقوق الإنسان للتحريض ضد مصر.
لم يتوقف أحد من مكاتب ولجان الجماعة ليسأل نفسه سؤالا بسيطا: لماذا لم يتعرض أبناء القيادات للحبس والمعاناة مثلهم، ولماذا تم تهريبهم فى الموجات الأولى للخروج؟ ولنضرب مثلا بابن محمود حسين، الأمين العام للجماعة، والذى يعيش الآن حياة البذخ فى اسطنبول ويقود سيارة "بى إم دبليو" ثمنها 100 ألف دولار اشتراها والده بعدما استولى على التبرعات والأموال التى كانت مخصصة لرعاية المسجونين أو من قتل خلال المواجهات.
الحديث عن ثروة محمود حسين، وغيره من قيادات الإخوان فى الخارج عرفناه من شهادة قيادات هاربة أخرى مثل أمير بسام، وعمرو فراج، مؤسس "رصد"، وعمرو مدحت الحداد، الذى كتب عن مأساة أستاذ جامعي ينتمي للإخوان، يقف على باب أحد مولات اسطنبول ليبيع "شرابات" بعدما فصله حسين، إثر مواجهته بملامح الثراء التى يعيش فيها بينما يتسول صغار الهاربين من الجماعة ويحترقون بغلاء المعيشة فى اسطنبول.
تلك الوقائع تؤكد أن الصراع داخل الإخوان أبعد بكثير من فكرة صراع الشباب والحرس القديم على إدارة التنظيم، ويكشف لماذا يسعى كل جناح للتخلص من الآخر بالوشاية أو بالتصفية الجسدية، وأن مراكمة الثروة هى أساس الصراع، فالحرس القديم ينتمى لفصيلة أسماك القرش إذا جرح أحدهم تسارع الباقون لالتهام ما تبقى منه، وهو ما حدث بعد القبض على محمود عزت وتعيين إبراهيم منير مرشدا عاما، وهو فى عمر الـ83 عاما ليصبح دمية فى يد محمود حسين الذى تمكن من المال وما تبقى من هيكل التنظيم القديم، ويستثمر أمواله التى كانت أموال التنظيم وأموال أسر المحتجزين فى شراء العقارات فى تركيا تحت سمع وبصر أردوغان المتحالف معهم،
فيما يتكالب مذيعو قنواتهم والمرضى عنهم فيها على شراء العقارات لتأمين حصولهم على الجنسية التركية، وهو ما يشير بوضوح إلى أنهم لن يعودوا إلى مصر، وأن هجومهم عليها ليس إلا "بيزنس" موجها لمن يدفع أكثر من القوى المعادية لمصر.
وعلى الجانب الآخر، نرى جناح الشباب المدعوم من القرضاوي، يسعى للوصول للقمة فى الجماعة حتى يصل إلى مصدر التمويل القطرى ويسيطر عليه بدعم من القرضاوي وتلميذه عصام تليمة، والذى يقود حربا شعواء على محمود حسين، وإبراهيم منير، حتى يتمكن جناحه من السيطرة على التنظيم والوصول إلى المال.
الصراع على الثروة والمال بين من هم خارج السجون من الإخوان هو جوهر الانشقاق الحاصل بين أجنحة الجماعة الإرهابية، سواء بشكل أفقى أو رأسى، وضارب فى عمق الجماعة، والذى سيتصاعد مع رغبة كل جناح في السيطرة على ما تبقى من الجماعة ثم بيع اسمها لمن يدفع أكثر، بمعنى أدق أنها تحولت إلى جماعة إرهابية للإيجار.