تفاجيء العالم وبالأخص الناخب الأمريكي بإصابة ترامب بـ كورونا، كما تفاجيء العالم أيضا ببوادر الشفاء المفاجيء والسريع له ولأسرته والذي كان خلال 72 ساعة تجاوز فيها ترامب السبعيني ومن معه كل الأثار، بل بات جاهزا للعمل مجددا فور ظهور المسحة السلبية، مما قد يذكرنا بكورونا الرحيمة التي أصابت بوريس جونسون أو الامير تشارلز أو الممثل المعروف توم هانكس والتي لم تكسبهم فقط المناعة من الوباء بل عادت بهم بأفضل حال وإلى صدارة المشهد والاهتمام، وجمعت حولهم التعاطف الشعبي وهو المطلوب بالأخص في حالة ترامب في ظل انتخابات شديدة الصعوبة.
فما قام به ترامب أو ما قام به القدر لترامب، قد أظهر تعاطفا عربيا منقطع النظير، وتصدرت أمنيات الشفاء العاجل والدعاء بظهر الغيب جنبات الإنترنت العربي، بل بدأت كثير من اللجان الإلكترونية التي على هوى كثير من الأنظمة العربية تنشر له الأخبار السارة وتطمئن مؤيديه العرب على الشفاء والصحة، بل تطمئن الجميع على تنامي فرصته في الفوز بالانتخابات القادمة.
المذهل في المشهد، عند مراجعة كشف حساب دونالد ترامب 'عربيا' خلال السنوات الأربع الأولى من حكمه، لم يكن بكل تلك الفائدة أو النفع على العرب كبشر أو أموالهم وأراضيهم أو حتى هيبة رؤسائنا وحكامنا أو أشقاءنا من الملوك والأمراء، تلك الهيبة التي حتى وإن اختلفت آرائنا السياسية فتلك الهيبة والكرامة جزء من هيبة وكرامة الوطن ولا يجوز التنازل عنها أو التفريط فيها.
وعن كشف الحساب للملف الاقتصادي، فقد تتصدره تبرعات خليجية 'جبرية' تعدت 200 مليار دولار على أفضل تقدير وهو المعلن عنه، كما كانت تلك التبرعات بعد قيام ترامب بحملة من التشويه والتشكيك والتهكم قيادات وملوك الخليج الأشقاء واصفا إياهم بالتابعية ومهددا لهم بإيران، ومعلنا أن البقاء بالحكم ليس إلا بسبب دعم القوة الأمريكية لهم دون سواه، فلم يكن من العرب إلا اتقاء شره، وسداد تلك التبرعات الإجبارية وبشكلا قسريا، على الرغم أن الشعوب الخليجية الشقيقة 'وهي أكثر المؤيدين لترامب في أمس الحاجة إليها سواء لتسوية أثار كورونا أو لعمليات الإصلاح الاقتصادي والتطوير الواسعة.
أما عن كشف الحساب السياسي، فأبرز ما فيه هو الاعتراف بالجولان السورية المحتلة أنها أراضي إسرائيلية ضاربا عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة السابقة، وإقرار العالم الحر للحق السوري وهو الذي لازال لا يعترف ولو أخلاقيا بهذا التجبر الصهيوني.
وعن ثاني الملفات 'القدس' فها هو ترامب يعلن منفردا أن القدس كاملة إسرائيلية وعاصمة أبدية خالصة لهم، بل يقوم بحملة مع الايباك وهي أكبر تجمع إسرائيلي لدفع الدول الصغيرة منتقصة الإرادة التابعة للولايات المتحدة الأمريكية حول العالم لغض البصر وإقرار هذا التعدي وضرب عرض الحائط بالاتفاقات الدولية وخطط السلام المطروحة أو حقوق شعب فلسطين.
أما عن ثالث الملفات البارزة، فخلال شهور ماضية صدر أيضا تصريحا عجيبا ليعطي ترامب الضوء الأخضر للجيش الصهيوني للتوسع بأراضي الجوار حسب الحاجة، أي أن الولايات المتحدة ستغض البصر عن أي عمليات عدوان قد تكون قادمة ولن تتحرك سياسيا حتى بالشجب والإدانة، وكأن أراضي العرب مشاعا تحتل منها إسرائيل ما تحتاج!
أما عن ملف الشئون الداخلية العربية، فرغم رفضنا جميعا وإقرار الأمم المتحدة بعدم التدخل في شئون الغير، ولكن ما فعله ترامب هو تحويل هذا الحق العربي بعدم التدخل شئونه إلى هبة تقدمها إدارة ترامب بل طلب مقابل أسطوري له من مليارات الدولارات والعديد من المواقف السياسية الداعمة لإسرائيل بل فرض التطبيع الكامل الخليجي مع إسرائيل، مقابل اتقاء شر إيران وما يدعيه من قدرة على إبقاء الممالك والأنظمة، ومن ذلك فرض الصمت عن حقوق الشقيقة فلسطين لصالح إسرائيل سواء في الأرض أو الحياة الكريمة بل اعتبار المطالبة بالحقوق الفلسطينية هي دعوة للإرهاب والتطرف.
رغم أن تلك الهبة الترامبية 'استقرار الأنظمة' والتي يعتقد البعض أنها كبيرة، كان سهل الوصول إليها عربيا مجانا دون كل تلك التنازلات، سواء من خلال توحيد إرادة العرب أو التسليح المشترك أو حسن إدارة الثروات أو الاهتمام بملف حقوق الإنسان والحريات السياسية وبدون النصح والإرشاد الأمريكي.
وأخيرا لكل أحباء ترامب، فان فاز ترامب وتولى فترة ثانية فلن يكون هو نفسه ترامب، فترامب الجديد سيكون لديه مجلسين تشريعيين ذوي أغلبية ديمقراطية ومنه فعليه التوافق معهم، وقد يتيح لهم العمل مجددا بالملف الخارجي مما يجعلنا نترقب بداية عودة الضغوط والتدخل السياسي الأمريكي في الشئون الداخلية للعرب وبأي وقت، وذلك على الرغم من سداد كل تلك المليارات من الدولارات وكل تلك التنازلات عن الحقوق والأراضي بالفترة الأولى.
ولذلك وكنصيحة مخلصة وتجنبا لواقع قريب لا مفر منه، لا بدَّ من بداية المراجعة مبكرا لكافة الإجراءات السياسية والقوانين وملف الحقوق والحريات الشخصية وبداية العمل سريعا على إغلاق كل الثغرات فيها، وأيضا العمل على فتح المساحات السياسية الداخلية للتنوع بالراي تجنبا لضغوط قد اراها حتميه وقريبة وفي في معسكر عربي شديد التشتت وحلفاء اختلفت اولوياتهم.
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
