منذ أن تبصر عينيك على الحياة، سيصدعون رأسك بحكم تجعلها نبراسا لحياتك، ربما بعضها يفيد والبعض الآخر لا يصلح لزمانك، في كل شبر على الأرض سيقابلك شخص ليعطي لك خلاصة تجاربه في الحياة، ويحذرك بالابتعاد عن كل ما فشل فيه، دون أدنى مراعاة للفروق الشخصية أو التوقيتات الزمنية، يعطيك النصائح حتى دون أن تطلب منه سماع رأيه، وكأنه لو سكت سيعاقبونه على سكوته، لكن العادة جرت أن يعمل اللسان حتى ولو شلت الأطراف، أو كما يقولون "الكلام ليس عليه جمرك".
الكلام هو المحور والمحرك لأي شيء يفعله الإنسان فى زماننا الذي لم نعد نعرف فيه الحقيقة من الخيال، الصح من الغلط، الكبير من الصغير، الكل يتحدث ولا أحد يريد أن يسمع أو يتناقش، شهوة الكلام صارت داء ليسه له دواء، وكأن الناس جبلت على هذا، لا يريد أحد أن يعطي للآخر فرصة التحدث، يريد أن ينفرد بالحديث، وما عليك إلا أن تسمع حكايات "أبو زيد الهلالي"، اسمع يا جدع وأنت ساكت، اسمع ونام على الحواديت، لا فيه شيء هيتقدم ولا أنت رايح تغير كل شيء من جديد، اسمع يا جدع ده الكلام ببلاش، اسمع يا جدع بودن وطلع من التانية.
اسمع واسمع واسمع، لا تتحدث، لكن إلى متى؟، الإنصات مهم، لكن ليس طول الوقت، ليس الإنسان مجبرا على سماع ما يغضبه أو لا يرضى عنه، وما أكثر ذلك فى هذه الزمن العجيب، سمع بلا فائدة، فاشلون يحدثونك عن فشلهم، أنا مالي يا عم، احتفظ بحياتك لنفسك.
أؤمن دائما بأن لكل شخص ظروفه المختلفة عن الآخر، فليس معنى أن إنسان فشل في مهمة بسبب ظروفه، فهناك آخر معرض للفشل، لذلك على كل إنسان الإقدام على كل ما يريد دون السماع لأحد، وأقول لكم بصدق أن هذا الجيل لم يعد يستهوى النصيحة من غيره، قدم نصيحتك على استحياء ولا تجبر إنسانا عليها.
أعود لنصيحة لا أومن بها ومثل زائف في وجهة نظري، "الصيت ولا الغنى"، يحاولون إيهامك أن الأهم هو كلام الناس عنك حتى ولو كنت عكس ما يقال عنك، اظهر بوش حلو عشان كلام الناس، يحذرونك من فعل أشياء تتمناها "عشان كلام الناس"، وكأن كلامك الناس هو "المسطرة" التى تسير عليها، كم مرة تراجعت عن فعل شيء بحجة كلام الناس، الناس الذين اختلفوا حول وجود النبي سيد البشر هم من تعمل لكلامهم خاطر، أتريد ما فشل فيه غيرك أن ترضي جميع الناس، وهي غاية لا تدرك، افعل ما شئت وراقب ضميرك ولا تشغل نفسك بكلام الناس.
لا تصدق من يقول لك "الصيت ولا الغنى"، فليس هناك عاقل لا يجد قوت يومه ويظن الناس أنه غني، ويتباهي بكلام الناس عنه زورا أنه يملك مالا كثيرا، ولا تستشهد لي بقوله تعالى "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف"، فهذا استشهاد ليس في محله، الله أمرك أن تتعف عن سؤال الناس لكن لم يأمرك أبدا أن تضع يدك على خديك وتسمع لهم ولا تحرك ساكنا ولا تطور من ذاتك.. "الغنى قبل الصيت".