عبد المنعم عاشور يكتب: «رقمنة» المصريين

عبد المنعم عاشور
عبد المنعم عاشور

فى أحيان كثيرة لا تملك رفاهية الاختيار، إما أن تكون أو لا تكون، يصبح الأمر فرض عين عليك، بدونه تصبح مقصرا، كما يقولون القطار لا ينتظر أحدًا، وفى هذا الزمان أصبح لزاما عليك أن تساير القطار وتجاريه وإلا دهسك أمامه، لا تسألنى كيف يجارى الإنسان القطار، لأننى إلى الآن لا أجد إجابة شافية لذلك، ولكن كما يقولون "اللى يعيش ياما يشوف"، ونحن نرى كل يوم حدثا جديدا وتطورا جديدا فى تكنولوجيا المعلومات والاتصال تلزم على كل لبيب أن يتعلم ويطور من ذاته.

لا أُخفي شوقي إلى حال مصر بعد عشرين عاما فى وسط تطور تكنولوجى يشهده العالم، العالم أصبح إليكترونيا، "الموبايل" هو من يقود العالم، يقلب الدنيا رأسا على عقب، متطلّع أنا لأجيال المستقبل كيف سيتعاملون مع التكنولوجيا، ولا أخفيكم سرا فإننى مغرم بالجامعات التكنولوجية الجديدة التى تفتتحها الدولة من حين لآخر، الدولة صارت تتوسع فى التعليم التكنولوجي، تفتتح كليات للذكاء الاصطناعى ومجالات لم نكن نسمع عنها من قبل، لكن تبقى ثقافة الشعب فى تقبل التغيير.

منذ أيام شاهدت كلمة وزير التعليم العالى، الدكتور خالد عبد الغفار، وهو يعرض أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، إنجازات التحول الرقمى فى الجامعات المصرية، الأرقام لا تكذب، لكن ما لفت نظرى قوله إن هناك مشكلة تقابل الحكومة فى قلة الإقبال على مجالات المستقبل كالذكاء الاصطناعي والنانو تكنولوجي وغيرها من علوم نسمع عنها لأول مرة.

الرجل يقول إن ثقافة الأسرة المصرية جُبلت على اختيارها للابن الكليات المعروفة كالطب، فى المقابل نشاهد التوسع فى التحول الرقمى بجميع المجالات، وخاصة فى مجال التعليم، ودعونا نكون صريحين فى أن معظم الأسر المصرية لا تعرف الآن كيف تذاكر لأولادها، ولا تعرف تفاصيل النظام التعليمى الجديد الذى يعتمد فى الأساس على "الرقمنة"، وذلك بسبب ما أسميه "القوقعة" فى توابيت الماضى، المصرى لا يريد أن يتغير، لا يريد أن يجارى العالم المتطور، "التقليدية" صارت السمة الأبرز، لكن هذا ليس متاحا الآن، ما لا تريد أن تتعلمه اليوم ستندم عليه غدا.

فى إحدى اللقاءات مع وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، تحدث الرجل، عن فرضية تعلم العلوم التى تكون من متطلبات العصر، بل زاد من الشعر بيتا وأكد أن عدم تعلمها يعتبر إثما يقع فيه المجتمع بأسره، والحقيقة أننى أتفق مع هذا الرأى بشدة، علماء الدين كثر، وعلماء الطب والمجالات الأخرى أكثر، لكننا نفتقد إلى من يجارى العالم المتطور فى إنجازاته واختراعاته.

التعلم صار لزاما على الجميع، لكن الأهم هو إنشاء بنية تحتية مواكبة لهذا التطور ومساعدة لتعلم الجميع، فليس مقبولا أن يصبح موظفو الحكومة يتعاملون حتى الآن بالورقة والقلم، التوسع فى المدارس اليابانية والدولية خطوة على طريق طويل نحو اقتحام عالم لم ننجح فيه من قبل، المستقبل لهؤلاء الذين يريدون التزود من هذه العلوم المستقبلية.

الأسبوع الماضى، شاهدنا فريقا من طلاب جامعة الأزهر، يفوز بالمركز الأول عالميا، فى مهارات إدارة الأعمال والتسويق، استطاعوا تطويع العلم فى خدمة الوطن والإنسانية، بل وطالبهم بذلك الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب مرارا وتكرارا، وفى هذا أبلغ رد على هؤلاء من يريدون أن يضعونا فى خندق تعلم العلوم الدينية فقط.

دعونا نقول إن الأمر أصبح مشروعا وقوميا وهدفا استراتيجيا، دعوة للجميع بمسايرة التطور التكنولوجي، ودعوة للشباب بالتزود من هذه العلوم والإقبال عليها بما يفيد البشرية، وليس بما نراه من البعض بتطويعها في هدم قيم إنسانية والقضاء على موروثات اجتماعية، التحدى صعب ونحن الآن بين خيارين إما أن تكون التكنولوجيا سلاحا للتقدم وإنما أن تكون خنجرًا فى ظهر الأمة للعودة إلى الوراء وعدم اللحاق بركب الأمم المتقدمة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً