بين القاهرة والرياض كانت جزء من تغريبة ظني أنها لم تكتمل، ولكن مع ذلك تبقى شخصيات في الذاكرة نقابلها عرضا في حياتنا وقد لا تطول فترة اللقاء ولكن الذكرى تبقي مدهشة ، ففي صالة تحرير مؤسسة سعودية معروفة صادفت منصور الصويم الروائي السوداني البارز( الزول ) والحاصل على جائزة الطيب صالح، وقد يكون في المستقبل أول مرشح سوداني لنوبل وقد يحصل عليها، وفي صالة تحرير في أهل مصر بالقاهرة صادفت محمد أبو العيون( مولانا )، وهو اللقب الذي يناديه به اصدقاؤه، وبين الرياض والقاهرة وبين ( مولانا ) و( الزول ) صفات مشتركة في الروح والملامح والرغبة العنيدة في السير ضد التيار، ففي الوقت الذي كان فيه كل من يعمل في السعودية لا هدف لهم إلا جمع المال، كان الزول يجمع الصحفيين السودانيين وغيرهم من غير الصحفيين في شقته الذي أطلق عليها اسم ( شقة الحرية ) لينفق راتبه على ضيافتهم وليناقشوا فيه مستقبل بلادهم وكيف يواجهون التيار الظلامي الذي كان مسيطرا في ذلك الوقت على السودان، ولم يتردد الصويم في وقت حرج من أن يقدم استقالته من الصحيفة السعودية البارزة ليعود للخرطوم ليشارك في الحراك الذي قاد في نهاية المطاف لسقوط الظلاميين في السودان.
وفي القاهرة لم يفعل ( مولانا ) مثل آخرين استغلوا فرصة اقترابهم من مؤسسة دينية لا يمكن مقاومة نفوذها في أن يحصد من المنافع مثل من حصدوا، بل انغمس بكل قوته في أن يحاول كشف الأفكار الظلامية التي لا تزال تسيطر على هذه المؤسسة، ليفقد ( مولانا ) وظيفته في هذه المؤسسة ويتحول لطريد القائمين عليها، في كل الأحوال فما بين ( مولانا ) و ( الزول) ، وكما أن ( مولانا ) كان يجمع من يريد الطعام على ما يصنعه بنفسه ، فإن ( الزول) كان لا يتردد في أن يدفع ثمن طعام الآخرين، ولكن المقاربة مدهشة بين ( الزول) و( مولانا ) لا تقتصر فقط على الملامح والروح والعناد الشديد، بل يشتركان في أن الاخرين قد لا ينتبهون لما يمكن أن يقدمه كل منهم ليس على صعيد العلاقات الفردية فقط بل للمجتمع الذي يعيش كل منهم فيه