كثيرًا ما يصف الناس شخصا ما بأنه لا يسمع لأحد، وأن "دماغه مقفلة" ومن الصعب إقناعه بأى شيء وأحيانا يقولون على سبيل المدح والتفاخر أن قراره من رأسه.. هل هذه صفة جيدة أم سيئة؟
البعض يراها استقلالا بالرأى وثقة بالنفس وقوة شخصية، والبعض يراها تعنتا وتزمتا، فما حقيقة ذلك؟
الحقيقة أن مثل هذه النوعية من الأشخاص تجمع بين القولين، فهم يتمتعون فعلا بثقة عالية وقوة شخصية، ويتمتعون أيضا بنوع من التعنت والتزمت فى أحيان أخرى، لذا فهم يكسبون أحيانا، بالثبات على موقفهم وآرائهم، لكنهم يخسرون فى غالب الأحيان، وتكون خسارتهم فادحة بسبب تعنتهم وعدم سماعهم لرأى الآخرين، خصوصا الناصحين المخلصين من الأهل والأصدقاء وشركاء العمل الواحد، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى سورة كاملة فى القرآن اسمها "سورة الشورى" ومدح فيها أهل الإيمان بقوله "وأمرهم شورى بينهم" [سورة الشورى : 38]، أى أنهم يتشاورون فى أمورهم ويتبادلون الرأى فيما بينهم.
الحقيقة التى لا تقبل الشك أنه لا أحد يملك الحقيقة المطلقة فى أى شىء، ولا أحد مهما بلغ من العلم والثقافة والتجربة يستطيع أن يحيط بكل شىء علما إلا الله سبحانه وتعالى، ولهذا نجد العلماء فى جميع المجالات يعقدون المؤتمرات واللقاءات دائما لتبادل الآراء والحوار لمعرفة آخر ما وصل إليه العلم فى أماكن مختلفة.
فالرأى يثير الرأى ويخلق الحوار، والحوار العلمى والأدبى السليم الهادئ الذى يخلو من التعصب يوصل للحقيقة والعلم، فأنت إذا جلست أمام شخص تحدثه ترى ما لا يراه هذا الشخص من أشياء خلفه وهو أيضا يرى ما لا تراه من أشياء خلفك، وكذلك فى الأفكار والرأى، غيرك يرى ما لا تراه وأنت ترى مالا يراه غيرك.
لذا نحن بحاجة دائما أن نستمع لبعضنا البعض على اختلاف أعمارنا وثقافتنا وبيئاتنا وتجاربنا، نحتاج أن نتبادل الآراء والخبرات والتجارب، بحاجة إلى التشاور والحوار الطيب الهادىء السليم بعيدا عن التعصب والفوقية.
ولكى يتم هذا فيجب علينا أن نتعلم فن الحوار، فالحوار فن، وطريقة إبداء الرأى واختيار الكلمات والمصطلحات المناسبة توصل الفكرة سليمة وتغلق باب الظنون والاتهامات وتجعل من الاختلاف وسيلة للتقارب وليس للعداء.
أخيرا، إبداء الرأى يجب أن يكون خالصا لوجه الله سبحانه وتعالى وتقديم ما تعرفه لينتفع به الناس والوصول إلى الحقيقة وليس لتحقيق أى مكاسب شخصية أو أهداف خفية من ورائه، وأن ننشد جميعا العدل من وراء ذلك.. اعدلوا هو أقرب للتقوى.