معارك خفية نخوضها كل يوم تقريبا تستنزف طاقاتنا ومواردنا وأوقاتنا نتكبد فيها خسائر كبيرة دون أن نخوض قتال أو نتحرك من مكاننا.
لقد انتهى زمن الحروب العسكرية بمفهومها المتعارف عليه من هجوم دولة على دولة أخرى بالسلاح والجنود واحتلال أرضها والسيطرة على ثرواتها حيث أثبتت عدم جدواها وعدم إمكانية استمرارها وتحولت إلى حرب معنوية دائمة ومستمرة تكلفتها أقل بكثير من تكلفة الحرب العسكرية فهى لا تحتاج لمعدات ثقيلة وطائرات وجنود بأعداد كبيرة فكل عتادها أفكار وقناعات وتوجيهات تنتقل عبر الهواء لتصيب عقول البشر في أي مكان في العالم في السابق كانوا يسمونه الغزو الثقافى وهو تعبير مخادع في الحقيقة يفهم منه فرض ثقافة
على ثقافة هذا على فرض وجود هذه الثقافة عند غالبية من يشكلون المجتمع، فالثقافة كلمة فضفاضة تشمل مجالات عديدة لا يمكن لفرد الإحاطة بها جميعا.
لذا اخترت أن اسميها الحروب الفكرية وهي الحروب التي تهيمن فيها أفكار على أفكار وسلوك على سلوك وهي حرب طويلة جدا، تأخذ سنوات تحقق فيها النصر على مراحل متعددة تبدأ بهزيمة فكرة واحدة وسلوك واحد ثم تتابع حتى تهزم جميع الأفكار والسلوكيات كلها فتهدم هذا المجتمع كله.
تبدأ بكلمات بسيطة تختارها بعناية تكون لها وقع السحر مثل الحرية والحب والتسامح والإنسانية، وجميع الشعارات والكلمات التي لها تصور جيد لدى متلقى هذه الأفكار والتي يكون مضمونها في الحقيقة مغاير تماما لمعناها، فالتاجر مثلا الذي يقول لك حرصا على مصلحة المشترى قررنا خفض الأسعار بعد زيادتها هو الحقيقة يقوم بعملية تسويق لمنتج ربما يكون راكد لديه أو منتج له بديل منافس في السوق فيوهم الزبائن أنه تنازل لهم عن ربحه وهو لو فعل ذلك لأغلق دكانه ولم يفتحه فهو يسعى للمكسب وليس للخسارة هو يسعى لعمل أفضل صفقة ممكنة والمشترى يجب أن يحاول أن يحصل أيضا على أفضل صفقة ممكنة، فإذا كان التاجر شاطر كما يقولون فيجب أن يكون المشترى شاطر أيضا والذى يعرف أكثر ويقنع الآخر هو الرابح.
هذا مثال بسيط لكل ما يدور الآن في العالم، حرب شرسة بين الدول والأفراد على المصالح والمكاسب تحت شعارات متعددة، دينية واجتماعية وإنسانية ولو كانت هذه الشعارات حقيقية لما وجدنا بشر يعيشون في المخيمات يتضورون جوعا ولا يجدوا الغذاء الأساسى لحياتهم، لما وجدنا فقراء يعيشون تحت خط الفقر وأموال مكدسة بالمليارات مكدسة في البنوك وذهب ومقنيات تقدر بمليارات الدولارات لدى بعض الدول والأفراد وغذاء من كل نوع وكل شكل لمن يملك أن يشتريه.
الحرب الآن تدور في عقلك وبأموالك فعدوك اليوم يقول لك اريدك أن تستريح وأنا سوف افعل كل شيء من اجلك وما أجمل من هذه العبارة شخص يريد راحتك ويعمل من اجلك لكنه لم يقل لك انك ستدفع الثمن، ستدفع ثمن راحتك من أموالك حتى إذا ما انتهت أموالك وأصبحت غير قادر أو غير مؤهل للعمل بعد أن فقدت كفاءتك وموهبتك وثرواتك فرض عليك شروطه واخذ اثاث بيتك بل وبيتك كله وهنا تكون قد تحققت هزيمتك.
بداية الطريق هو أن نعرف اننا في حرب حقيقية غير مباشرة من الاصدقاء قبل الأعداء ونعرف أنها حرب أفكار ومعتقدات وسلوك فنتسلح لها بالأفكار أيضا ونتعلم كيف يكون لدينا مناعة فكرية وقدرة على التحليل الجيد والرؤية الجيدة وعدم الإنقياد للشعارات البراقة واهم من كل ذلك أن نعمل بأنفسنا ولأنفسنا ونتخلى عن الراحة المزعومة والكسل فراحة الإنسان هو الذي يصنعها بعمله وتعبه وبالحفاظ على ثرواته وتنمية مهاراته وكفاءته لا بدَّ أن نفكر جيدا ونعمل جيدا حتى ننتصر في هذه الحروب المستمرة على عقولنا.