طارق متولي يكتب: المقبرة المحروسة للملك المحظوظ

طارق متولي
طارق متولي

هى مقبرة توت عنخ آمون، أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة الفرعونية التى تولت حكم مصر مدة أربعة عقود بداية من الملك أحمس، قاهر الهكسوس، ونهاية بحكم حور محب، آخر ملوك الأسرة الثامنة عشر، ومؤسس الأسرة التاسعة عشر، وقد بلغت مصر أوج قوتها وعظمتها فى عصر الأسرة الثامنة عشر، والتى أسست المملكة المصرية الحديثة.

تولى توت عنخ آمون الحكم وهو غلام صغير لم يتجاوز السابعة عشر، بعد وفاة أخويه إخناتون وسمنخ كارع، وكانت فترة حكمه قصيرة لم تتجاوز الثمانى أو التسع سنوات فى الفترة ما بين 1347 ق.م إلى 1339 ق.م، فكيف لعبت الأقدار الدور الكبير فى شهرة هذا الملك الصغير أكثر من أسلافه العظام أحمس وتحتمس والملكة حتشبسوت.

فى الحقيقة يعود الفضل فى هذا بعد إرادة الله سبحانه وتعالى إلى المكتشف الكبير وعالم الآثار هوارد كارتر، وهو العالم الذى اكتشف جميع مقابر وادى الملوك والملكات من عصر الأسرة الثامنة عشر والأسرة التاسعة عشر فى مدينة الأقصر، والذى ظل يبحث عن مقبرة توت عنخ آمون ولديه يقين بأنها موجودة، وأنه لم يصل إليها أحد، حيث إنه لم يشاهد أى قطع أثرية تخص هذا الملك فى الأسواق أو الآثار المكتشفة، فظل طوال ست سنوات يبحث عنها رغم أن كل زملائه أقنعوه بأنه لم يعد هناك شيء آخر فى الوادى لكى يتم اكتشافه، لكنه بحسه وموهبته كان لا يزال مؤمنا بوجود هذه المقبرة، حتى أنه طلب من ممول بعثته اللورد كارنوفون فرصة أخيرة وموسما آخر ليستمر فى بحثه.

ثم كانت المفاجأة عام ١٩٢٢م، عندما عثر العمال المصريون على درجات سلم هابطة تغطيها الرمال، وكان من حسن الحظ أن هذه المقبرة التى لم يقترب منها أحد ووجدت كاملة بكل مقتنياتها قد غطتها مقبرة أخرى من مقابر الرعامسة من الأسرة التاسعة عشر، فلم يرها لصوص الآثار ولم يقتربوا منها، وكأنها كانت محروسة بعناية إلهية من العبث بها وبمحتوياتها، وظلت كما هى حتى اكتشفها هذا العالم العظيم الموهوب.

هذا الاكتشاف قلب الدنيا رأسا على عقب، وأتت جميع وكالات الأنباء من كل بلاد العالم لترى هذا الاكتشاف العظيم، وللأمانة فإن هوارد كارتر كان أمينا جدا فى التعامل مع المقبرة ومحتوياتها، فلم يدع أي شخص يقترب من المقبرة أو يحرك أي قطعة من مكانها حتى يوثق كل شىء فيها، ولم يسمح حتى للزوار من جميع أنحاء العالم بالدخول للمقبرة حتى ينتهى من عمله الذى استغرق عشر سنوات من ١٩٢٢ إلى ١٩٣٢، ليترك لنا هذا الإرث العظيم من محتويات هذه المقبرة التى لم يُكتشف مثلها بكامل حالتها ومحتوياتها فى أي مقبرة أخرى من العصر الفرعونى.

وتضمنت المقبرة أثاث الملك توت عنخ آمون الأخروى وبعض ما كان يعتز به من مقتنياته الشخصية ومقتنيات أسرته، ومن أروع ما فيها قناعه الذهبى وتوابيته الثلاثة التى شكلت على هيئته، وصيغ الداخلى منها من الذهب الخالص، وصُفح الآخران بالذهب وطُعما بأحجار شبه كريمة، ثم مقعد عرشه وصندوقه الخاص ومجموعة من تماثيله المعدنية الصغيرة وتماثيل بعض أفراد أسرته ومجموعات من أدوات الزينة والأوانى المرمرية الشفافة تعتبر من أرقى نماذج الصناعة الفنية فى العالم القديم كله.

ظلت هذه القطع الفريدة فى المتحف المصرى شاهدة على مدى عظمة المصريين القدماء وثرائهم المادى والفنى والمعنوى، بل وجابت بعض هذه القطع العالم أجمع، وتسابق الزوار فى كل بلد تذهب إليه لرؤية آثار هذا الملك الفرعون المصرى التى تدهش العقول والنفوس، وسوف تكون آخر المحطات فى المتحف المصرى الكبير الذى سيتم افتتاحه قريبا فى الجيزة بجوار الأهرامات حيث سيتم تخصيص قاعة كاملة لمقبرة توت عنخ آمون حسب تصريح المسؤولين، فحق لنا أن نفتخر بتاريخ أجدادنا المصريين، وحق علينا أن نلقى الضوء دائما على تاريخنا المشرف وماضينا العريق ونستمد منه القوة والطاقة للمستقبل.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً