وكأن العالم كان في غفوة صحا منها ليجد حركة طالبان وقد استعادت السلطة في افغانستان مع انسحاب سريع للجيش الأمريكي وباقي قوات حلف الناتو المواقع القليلة التي تبقت لهم في كابل، وعندما سقطت كابل تأكد أن الولايات المتحدة قد تكبدت أكبر هزيمة عسكرية لها منذ حرب فيتنام. اللافت أن في عودة طالبان للحكم في أفغانستان أنها لم تكن مفاجأة، فمنذ شهور ومدن أفغانستان تتوالي في السقوط بدون قتال في معظم الأحول وسط دلائل على أن صفقة عقدت بين الولايات المتحدة وبين طالبان على أن تتسلم طالبان الحكم في هذه المنطقة الساخنة من العالم التي لم تتوقف فيها أصوات المدافع منذ سبعينيات القرن الماضي.
انتصار طالبان والفاعل والمفعول في جبال أفغانستان والشرق الأوسط
دلائل الصفقة بين طالبان وبين الإدارة الأمريكية هى أن الولايات المتحدة تفاوضت علنا مع طالبان بالرغم من اتهام واشنطن على الدوام لطالبان بأنها منظمة إرهابية، بل أن طالبان لم تنفي في أى وقت من الأوقات احتضانها لتنظيم القاعدة الذي وجه اكبر ضربة للولايات المتحدة في الداخل في احداث سبتمبر. ليس هذا فقط بل أن تنظيم القاعدة أعلن إعطاء البيعة لطالبان فورا وفي وجود ما تبقى من القوات الأمريكية في كابل . لفهم ما حدث في أفغانستان لا يمكن أبدا تفسير الهزيمة التي تقبلها الجيش الأمريكي وحلف الناتو طوعا في هذه المنطقة من العالم بمقياس عسكري أو سياسي، فلا يمكن فهم أبدا ما حدث في كابل دون أن نفسهم ما حدث في كواليس السياسة الأمريكية التي كانت هي ( الفاعل والمفعول به ) في المشهد الأفغاني بدون أى جدال، خاصة وأنه لا توجد أى أدلة حتي الان على أن هناك أى تغيير من أى مستوى حدث في أفكار طالبان أو أفكارها فحتى نفهم كيف عادت عقارب الساعة للوراء لنحو 20 عاما وعودة طالبان للحكم بعد عقود ينبغي علينا أن نفهم طبيعة التغيير العميق الذي حدث في بنية اليسار الأمريكي الذي خرجت منه الإدارة الأمريكية التي جاءت للبيت الأبيض مع فوز جو بايدن، الذي يعتقد على نطاق واسع أنه ليس لائقا ذهنيا لحكم الولايات المتحدة وأنه يمتثل لكل ما تمليه عليه نائبته كمالا هاريس.
انتصار طالبان والفاعل والمفعول في جبال أفغانستان والشرق الأوسط
إن ما حدث في أفغانستان بدأ مع تغير طبيعة التركيبة الانتخابية في الولايات المتحدة، وهى التركيبة الجديدة التي أصبحت الكلمة العليا لطبقة وسطى جديدة من الأمريكيين القادمين من آسيا وبلدان شرق أوسطية وأمريكا الجنوبية، وهى طبقة جديدة سوف تستمر في الضغط على أى إدارة أمريكية الان وفي المستقبل للانسحاب من أى بقعة قتال في أى مكان في العالم لتوفير كل جهود الولايات المتحدة وأموالها فقط لتوفير وظائف لهم في الداخل والإنفاق على خدمات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي. لذلك لم يكن مفاجئا ما حدث طالبان، ولن يكون مفاجئا أن يتكرر نفس السيناريو في العراق وفي سوريا، فالإدارة الأمريكية التي تهمين عليها في الواقع اتجاهات تمزج بين الخيال السياسي والمبادئ المجردة التي يقوم عليها الحلم الأمريكي أعلنت فعلا أنها سوف تنسحب من العراق وسوف تنسحب من سوريا، وقد تضغط هذه الإدارة على البنتاجون ليقلص وجود قوات الأفريكوم التي تمثل الوجود العسكري في أفريقيا، وسوف تترك كل هذه المناطق الساخنة تحت رحمة الجماعات المحلية التي قد تكون جماعات عرقية أو دينية أو مسلحة، وقد يعود داعش بوجوه أخرى في هذه المناطق سواء من خلال استنساخ نماذج جبهة النصرة أو الجيش السوري الحر أو حتي حركة الشباب في الصومال، لكن في كل النتائج من المؤكد أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وعودة طالبان للحكم هناك سوف يمثل مرحلة جديدة لها ما بعدها ليس في جبال أفغانستان فقط بل في مناطق مختلفة حول العالم .