مع حلول شهر رمضان الكريم يُصبح الصوم هو محور الأحداث، وتتشكل حياه مُختلفة تماماًفى الشهر الكريم، حياه مُختلفة فى كل تفاصيلها المادية والمعنوية، إذ تتغير مواعيد الأكل والشراب و النوم والعَمَل، وبين يوم وليلة تُصبح الأخلاق أكثر إنضباطاً والأرواح أكثر رقة، وتتغير عادات الناس بين ليلة وضحاها وينفصلون تماماً عن حياتهم الماضية كما لو كانت الحياه كلها كانت رمضانوأنهم لم يعيشوا حياه غيرها قبل ذلك، وبعد مرور يومين أو ثلاثة فقط من الشهر يتبدل الحال تماماً ويُصبح المُجتمع مجتمعاً رمضانياً خالصاً، وتتشكل مجموعة من المواقيت والعادات الجديدة التى لم تكن بالأمس القريب موجودة.
والحق أننا بنى البَشَر سريعوا الإدمانللعاداتسريعوا الإلتصاق بها ولكننا أيضاسريعوا التخلى عنها، نتخلى عن عاداتنا وحياتنا فقط لندُمن عادة جديدة ونظام حياه جديد، ورُبما كانت تلك نعمة من نِعم الله الكثيرة على بني الإنسان، نِعمة سُرعة خَلق عادة والتخلى عن عادة أخرى، ثم التعايش والتكيف مع العادة الجديدة، نتزوج فنتكيف مع بيت جديد ومكان جديد، نُغير أعمالنا فنتكيف مع أجواء جديدة وزُملاء جُدد، نُسافر فنتكيف مع ثقافة جديدة ونحترمها ونتعايش معها.
عِلمياً ساد الإعتقاد لفترة طويلة أن الإنسان يحتاج إلى واحد وعشرين يوماً لخلق عادة قبل أن تسود نظرية أخرى نشرتها باحثة أكاديمية من جامعة لندن أفادت بأن الإنسان يحتاج لأكثر من شهرين حتى يتأقلم ويكتسب عادة جديدة.
لكن ما نراه فى حياتنا من سرعة تكيف الإنسان مع التغيرات فى حياته وبالذات فى مجتمعاتنا الشرقيةربما يُشكك فى صحة هذه النظرية، إذ تبدو مدة الواحد وعشرين يوماً طويلة جداً بالنظر إلى ما نراه فى مُجتمعانا الشرقية من سُرعة التكيف.
وحتى فى الظروف الصعبة والمصائب يتكيف الإنسان بسرعة مع الوضع الجديد، وتَمُر المراحل الخمسة للصدمة -حسب نموذج كيوبلر روس- فى أيام قليلة، ويتحرك الإنسان من مرحلة الإنكار للغضب للمُساومة للإكتئاب للتَقبُل فى سرعة فائقة ويستأنف حياته بعدها حسب الوضع الجديد.
والتغيير دائماً مصدر طاقة، وتنطبق تلك المقولة على التغيير بنوعيه السلبى والإيجابى، فإنتقالك من حال أفضل إلى حال أسوأ يُحبب إليك ما كُنتَ فيه من حالك الجيد ويدفعك إلى شُكر ما كُنت فيه من نعمة إن أراد الله وأعادك إلى ما كنت عليه من خير، ولولا هذا الإختبار القصير لإستصغرت النِعمة التى كُنت دائماً فيها وما شعرت بها، ويستصغر الإنسان نعمة بيته الصغير لكنه يعود إليه فرحاً مُشتاقاً بعد سفر شاق وكُلنا قال هذه الكلمة شاكراً الله (أحسن حاجة فى الدنيا بيت الواحد).
أما التغيير الإيجابى فحِدّث ولا حرج، إذ يتحول الإنسان معه إلى شخص أخر، وتتجدد فيه طاقات ومواهب لم يكن يعلمها عن نفسه من قبل، وتتجدد قُدرته على الحِلم والإبداع ويستشعر قيمة الحياه، و نختبِر جميعاً ذلك الشعور عندما نسافر فى إجازة لمكان نُحبه ، و تراودنا الأحلام بالإستقرار في ذلك المكان للأبدبعد وقت قصير من وصولنا ، ويُمارس كلٌ منا هوايته بإستمتاع وإتقان حتى يُقرر بعضنا أن ينقل هوايته لمرحلة الإحتراف! ونُقيم صداقات فى السَفَر ونتعرف على أشخاص جُدد ونتعاهد على التواصل الدائم، ونعود بعد ذلك لحياتنا القديمة ورُبما لا نفعل حتى شيئاً واحداً مما حلمنا به لكننا نعود أكثر إشراقاً مُحملين بطاقة التغيير الإيجابى.
وفى رمَضان يتمنى الجميع إستمرار أجواءه الجميلة طوال العام ومع بداية الشهر الكريم تبدأ الأحلام والنذور التى لا تتحقق إلا فيما نَدَر ( ليه الواحد ميصومش طول السنة، ليه مبناكلش تَمْر علطول، ليه مسيطرش على غَضَبى طول السنة ما دام إنى أقدر ..).وتُتخَذ القرارات بين الفرد ونفسه بالتغيير للأفضل تحت تأثير الروح الإيحابية التى يبثها الشهر الكريم فى الإنسان، ومنا من يصدق ويوفى بوعده ومنا من ينسى!
وتختلف قُدرة الإنسان على التكيف من شخص إلى أخر حَسَب تكوين الشخص النفسى (الأخلاق وسهولة التعايش) و حسب إيمانه (صبره على الفِتَن والمشاكل والإبتلاءات) وحَسَب نوع التغيير (للأفضل أم للأسوأ).
هناك أغنية رمضانية قديمة لفرقة (الثلاثى المرح) وهى فرقة كانت من ثلاث بنات، ويقول مطلعها (إدونا العادة .. الله يخليكم) ، ربما كانت الكلمات لتكون أجمل لو كانت (إكسروا العادة.. الله يخليكم)! فكسر العادة حياه!
وفى رمضان الأيام كُلها حلوة!