مع كل فشل، نحس بالحسرة والألم والزعل والندم. مع كل فشل نحس بأن شيئاً داخلنا قد انهدم... مع كل فشل، نندم على فرصة ضاعت وقرار لم نتخذه بشكل صحيح، أو قرار اتخذناه بشكل خاطئ، أو موقف كان يجب اتخاذه أو عمل كان يجب إنجازه أو خطأ كان يجب نجنّبه أو صواب فاتنا أن نفعله.
مع كل فشل، نسمع من يقول لنا: عليك أن تتعلم من أخطاءك، وأن تعرف عيوبك، وأن تصحح مسارك، وأن تسلك في كل شيء طريقاً وأسلوباً ونظاماً آخر، وأن تغير من تصوراتك وأن تفيق من توهماتك، وأن تنظر أمامك لا خلفك.
كل هذا صحيح وسليم وممتاز وواقعي وصواب ويمثل الطريقة الأمثل في التعامل مع ذلك الفشل...
ولكن...
هذا الفشل تكون له بالأساس مقومات وهياكل وحالة وطريقة وهيئة تؤدي إلى حدوثه، وتكون حياتنا في الغالب منظمة ومهيكلة ومؤطرة بطريقة ربما تؤدي إلى هذا الفشل بالضرورة، أو تساعد عليه، أو تقترح إمكان حدوثه...
التعلّم يكون مباشرة في لحظة حدوث الفشل... ويكون بمجرد إدراكنا أننا "عملنا حادثة" في حياتنا، وأن سيارة أو مركب أو قطار حياتنا اصطدم بشيء ما...
نحن بالضرورة نتعلم من أخطائنا ويفتح الفشل أعيننا على حقائق – سواءً أردنا ذلك أم لا... المهم هو تجاوز حالة الحسرة والألم والزعل والندم والإحساس بأن داخلنا شيء انهدم... لابد من تجاوز كل ذلك لكي نغير مسار الفشل ونبدأ طريق النجاة والانتقال إلى النجاح.
المشكلة الكبيرة والحقيقية هي من يقف مدهوشاً ومصدوماً أو منهاراً بعد لحظة فشل ولا يتجاوزها، بل يبنى عليها قرارات متعجلة يعاقب بها نفسه ومن حوله، أو ينسج لنفسه حول ذلك الفشل، وما يصاحبه من الحسرة والألم والندم، ينسج كتلة كبيرة من العُقد النفسية والمآزق الاجتماعية والتوترات مع من حوله، وحالة من ألم واكتئاب ما بعد الصدمة. ويعيش في هذه التروما Trauma باقي أيامه.
مشكلة عدم القدرة على التجاوز هذه، والاكتفاء بالتعلم الذي يترك "ندبة" و"علامة" و"جرح" هي التي تخلق كل ما بعدها من المآسي والآلام والأحزان. هذه الحالة من عدم التجاوز هي التي تراوح حوال الأزمة وتدور وتلف حول الجسد الميت للمحاولة التي فشلت والأحلام التي أُجهضت والفرصة التي ضاعت، وبالتالي تكون هي "الفشل الحقيقي" القادر على منع وردع وإجهاض وإفشال أي نجاح قد يأتي بعد ذلك.
الموضوع يشبه فريق كرة قدم الذي يتم إحراز هدف في شباكه، فيحس أنها نهاية العالم، وليس مجرد جزء من مباراة، ويستسلم للأهداف الكثيرة التالية التي يحرزها الخصم فيه، بسبب ما لديه من اليأس والحسرة والندم وليس بسبب تفوق ذلك الطرف الآخر.
المعتاد في الرياضة، وفي كل المجالات الأخرى، ان النجاح من المحاولة الأولى ليس مضموناً بنسبة 100% ، وحتى لو سجل الجميع نجاحاتهم من المحاولة الأولى، فإن هذا لا يمنع غيرهم من إحراز النجاح، وربما بدرجة أكبر، في محاولات لاحقة.
العلماء في تجاربهم العلمية يفشلون مرات ومرات، قبل أن يأتي النجاح من محاولة لم يكونوا متحمسين لها، لكن المهم لديهم أنهم يتعلمون من الفشل ثم يتجاوزونه، ثم يمضون في طرق أخرى جديدة لعل إحداها تكون طريق النجاح.
في الرياضة، ينبهر الجميع بالفريق الذي يخسر بفارق كبير أثناء المباراة، ثم يستعيد زمام المبادرة، ويعوّض تأخره وهزيمته ويحرز النصر... يسمونها "ريمونتادا" (وهي كلمة أسبانية، معناها "العودة" وتكون في الغالب بمعنى العودة من الهزيمة إلى النصر، والتحول من الفشل إلى الانتصار).
الحقيقة هي أننا بالقطع نتعلم من الفشل بمجرد وقوعنا في الخطأ مباشرة، وبمجرد أن نجده واقعاً ونرى آثاره، فندرك أسبابه ومسبباته ودوافعه ومن أين جاء، ثم أننا نتعلم مباشرة من هذا الخطأ أو الفشل ما فاتنا وما أخطأنا فيه وما نفذناه على غير الطريق الصحيح وما قمنا به بدون تخطيط سليم وترتيب صحيح، ولكننا بعد ذلك نواجه سؤال التجاوز، وقضية التحرك التالي الذي يكون بعد الألم والحسرة والندم والصدمة... نتجاوز أو لا نتجاوز... تلك هي المسألة... والله المستعان...
"وما تشاءون إلا أن يشاء الله... إن الله كان عليماً حكيما"
صدق الله العظيم