برهات على مناقشة رسالتي للحصول على درجة الماجستير تحت عنوان "أثار التغيير في نظام الزواج الأرثوذكسي علي الأسرة القبطية..."
وفيها أستشرف الصراعات الدائمة المتكررة على فترات آنية أو متباعدة بين الكنائس المسيحية حول قضية قاساها آلاف مابين المطالبة بالطلاق والزواج الثانِ الذي تتباين طقوسه مابين كنيسة وأخرى وهو ما لا تقبله الأرثوذكسية، و ختامها ما يخص تصريحات القمص صموئيل البحيري بقوله أن "الزواج البروتستانتي زنا زنا زنا.. راجل وست انتو زناه وعايشين في الحرام"
وإذا أدمنا النظر للمشهد نجد تصريحاته ليست صادمة لحين إقرار لائحة ١٩٣٨ والتي تعد الملاذ الآمن والوحيد لدحض هذا الفكر أو إعداد قانون موحد للأحوال الشخصية يجمع الطوائف المسيحية، لكن الإعتذار سواء الذي صدر عن رأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية البابا تواضروس الثاني أو الأنبا سيداروس الأسقف العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية أو حتى رفض الأقباط ذاتهم للفكر المتطرف، فكل ذلك لا يغير من قناعات الأرثوذكس شيئا.
المصادفة أفسدت ما نظمته المؤتمرات و رتلته الكنائس المسيحية عن أنشودة المحبة والأحاديث الإعلامية المستبشرة عن وحدة الإيمان المسيحي إلا أن الملموس يقول الحقائق ولو بعد حين.
تزامن الحدثين، مؤتمر "التعايش والتسامح وقبول الآخر.. نحو مستقبل أفضل" الذي أقيمت فعالياته بمكتبة الإسكندرية بحضور بطاركة و رؤساء الكنائس الثلاثة الكبرى لم يمنع من الاحتكاكات ومحاولات الفتن التي احتدمت خلال الأيام القليلة الماضية وتولد منها اعتذر قداسة البابا تواضروس مستنكراً آراء استثنائي من قساوسة كنيسته معربا عن رفضه التام لأي تصريحات تتعلق بقضايا الزواج الإنجيلي، وأنه لا يتم الالتفات إليها غير الصادرة من قداسته أو مكتبه، متوعدا أنه لن يكتفي بمساءلة الايبارشية للقمص، بل سيقوم بمساءلته بنفسه، معربا عن احترامه وتقديره للزواج بالكنيسة الإنجيلية، واعتزازه بالعلاقة المتأصلة بالمحبة مع الطائفة الإنجيلية.
في السياق ذاته أراد الأسقف العام رأب الصدع بين الكنيستين وإصلاح الأمر وإزالة الخلاف بقوله أن الكنيسة الأرثوذكسية تكن كل الاحترام والتقدير لأخواتها في الكنيسة الإنجيلية، و قد قام بإنتهاره بشدة وأنه سيتم معاقبته من قبل الكنيسة عن هذا الفكر مستشهدا بقول البابا شنودة الثالث أن هذا الزواج ليس بزنا، فهو زواج مُعترف به من حيث الإشهار والعلاقات الإجتماعية.
تقصيت الحقيقة وتحريتها، فالمقطع المصور الرائج عن الكاهن تبين أنه موجود على صفحته الشخصية على موقع التواصل" فيس بوك" منذ 7 يوليو الماضي، وهو ما يثير التحير في نوايا ومقصد بثه في الوقت الحالي لافشاء الفتن بعد نجاح مؤتمر المناخ عالميا، و حين استنكر الأسقف أداء الكاهن، فسر الأخير أنه أراد إنذار رعاياه في كنيسة عزبة النخل لاتيانهم الزواج بطقوس إنجيلية داخل الكنائس البروتستانت متخليين عن الإكليل الأرثوذكسي، تصريحاته جاءت امتعاضا وجزعاً متناسيا ما ألزمت به المواثيق العالمية لحقوق الإنسان والتي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1981 في إعلانها بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد.
الصخب أبان المغزى من إحداث الفتنة والبلبلة والانشقاق بين الطوائف و هو الذي ذكرني بكتاب "نظام التفاهة" الذي أحدث ضجة بين مثقفي الغرب ونقاده، بحثًا عن الأسباب التي جعلت المغرضين يتحكمون بمواقع صنع القرار في العالم، سياسيًا، واقتصاديًا، و ثقافيًا.
لا يوجد تفسير لفتنة القسيس غير ما ذكر " ألان دونو" في كتابه نظام التفاهة: لا تكن فخورًا ولا روحانيًا، فهذا يظهرك متكبرًا.. لا تقدم أي فكرة جيدة تراها بعينك وحدك، فستكون عرضة للنقد، لا تحمل نظرة ثاقبة، وسع مقلتيك، أرخ شفتيك، فكر بميوعة وكن كذلك، عليك أن تكون قابلًا للتعليب.
هذا لا يعني الاستهانة بفكرة نقد معتقدات الأخر أو حتى إثارة الفتن العقائدية خاصة في قضايا تضرب في عمق الأرض ولن تجد حلا إلا إبرام قوانين موحدة متفق عليها، فما بال رجال الدين الذين يأتي دورهم في تتميم و إدماج المجتمع بأطيافه وجعلهم على قلب رجل واحد.
صنيعة الكاهن صارت وظيفة، وهو ما وصفه ماركس منذ 1849، عندما قال إن شاغل المهنة يتعامل معها كوسيلة للبقاء لا غير، يمكن أن تعمل عشر ساعات يوميًا على وضع قطعة في سيارة، وأنت لا تجيد إصلاح عطل بسيط في سيارتك، كما يمكن أن تنتج غذاء لا تقدر على شرائه أو تبيع كتبًا ومجلات وأنت لا تقرأ منها سطرًا، أو تصنع أزمة بدلا من شحذ الأذهان وتسكين النفوس.. هوى مفهوم رجل الدين وصار بعض أشخاصه "متوسطين" بالمعنى السلبي للكلمة.. " وَذَاكَ كَانَ قَدْ طُرِحَ فِي السِّجْنِ لأَجْلِ فِتْنَةٍ حَدَثَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَقَتْل " لو 23: 19