في كل يوم تتجدد أفعالنا، وتتعاقب أزمان حياتنا وقد نجد أننا نعيش الحياة من أجل تحقيق رغبة غيرنا دونما مراعاة لكيفية تحقيق رضا ذاتنا، وعلى سبيل المثال فقد يسعي البعض لإرضاء أهله وذويه على حساب نفسه، والبعض قد يخضع لأصحابه وأصدقائه طلباً لودهم ومراعاة لمشاعرهم، والبعض الأخر قد يخضع لرغبات أولاده وزوجته والبعض قد يتنازل عن أحلامه خوفاً من ألا يستطيع تحقيقها لعدم قدرته على بلوغ حد نيلها.
وفي ذات السياق يكون الصراع بين فاعل ومفعوله به لكون الفاعل هو القائم حقيقة بالفعل، بينما المفعول به هو من وقع عليه فعل الفاعل، في حين أن الفعل يدل على حدث مقترن بزمن حاضراً أو ماضياً أو مستقبلاً، وحتى لا تختلط معاني الفكرة وتتداخل التعريفات فقد أردت أن ألخص حال الصراع الدائر بين حقيقة أن تختار ما تختار من قرارات وأفعال مصيرية بإرادة كاملة، وبيقين كامل أنك قد أخترت الصواب بما يناسبك أم أنك قد اخترت ما يرضي غيرك حتى تسعد به من حولك، وتتحمل بعد ذلك نتيجة فعلك بألم المعاناة ومرارة الإستمرار في مواجهة تبعات الإختيار الغير مناسب لك.
ومن القرارات المهمة في حياة كل أسرة هي طريقة إختيار الابن للكلية التي سيدرس بها فقد يتراجع عن التمسك برغبته في دراسة مجال معين من أجل الدراسة بكلية أخري تعجب والداه وأسرته من باب الوجاهة الاجتماعية ودون مراعاة للاهتمامات والقدرات العقلية والمهارية للابن، مما قد يتسبب في تعثر الابن وتأخره عن أقرانه وربما يصيب الابن مرارة الأسي والحزن بسبب تخلفه عن أقرانه نتيجة سوء اختياره.
وفي ذات السياق تذكرت قصة قرأتها عن شاب فشل في تحقيق أهدافه ولم يحقق طموحه فاراد ان يترك بلده ليبحث عن سبيل جديد لتنفيذ فعله في بلد أخر وتبدأ أحداث القصة في أحد أيام الشتاء شديد البرودة، حيث قرر شاب فقير أن يسافر من مدينة إلى أخرى بدولة أوربية، ولم يكن يملك من المال ما يمكنه من السفر بشكل شرعي لذا قرر التسلل خفية ليختبئ داخل إحدى عربات القطار بمحطة السكك الحديدية، وبعد أن استقر بأحدها لاحظ إنطلاق القطار بسرعته، نحو وجهة وصوله وهنا تنبه الشاب بأنه قد أختار بالخطأ عربة لا تخص الركاب، وتنبه أيضاً إلي أنه موجود داخل عربة ثلاجة كبيرة لحفظ الخضروات والفاكهة، وحينها بدأ البرد يتسلل داخل جسده محتسباً موته بلا شك، لذا فقد بدأ يبحث حوله عن مخرج فلم يجد منفذ، ولكنه وجد قطع من الفحم الجاف حوله فسطر لأمه أحلامه وأهداف رحلته علي جدران العربة، وأعتذر لها على سفره بدون إبلاغها ودون إبلاغها ومع نهاية قصته ومع أخر حروف قد سطرها مات مغشياً عليه نتيجة شعوره بتجمد أوصاله، وحين وصل القطار لمحطة النهاية، أخذ العمال يُفرغون حمولة العربة فوجدوا جثة هذا الشاب، وحين رأوا ما سطره الشاب علموا أنه قد مات من شعوره المكذوب بسريان البرد داخل أوصاله لكونه أدرك أنه داخل ثلاجة عملاقة سيتجمد داخلها وستكون سبباً في موته لذا حين أحتفظ عقله بالفكرة وداوم على ذكرها لنفسه فقد مات خوفاً من شيئ غير موجود لكون العمال قد تنبهوا إلي أن الثلاجة معطلة، ولا تعمل ولهذا كان الخوف سبباً في موته وليس الثلج هو ما جمده في موقع وجوده لكون هذا الشاب قد استسلم للأوهام.
وها هي قصة أخري تدور حول طبيعة الصراع بين الفعل وتحمل نتيجته ودلالة ذلك علينا حيث كانت هناك ابنة تحاور أباها فشَكت له مرارة الحياة وألم فعلها على البشر فقال لها معلماً إياها هل ترضين بشرحي لما قولتي وفسرتي فقالت يا ابتي أمنحني المثل والشرح الوفير، فقال لها أذهبي فأحضري حبة جزر وبيضة وبعض حبات القهوة المطحونة، وسوف أضع الأواني وفيها الماء لتغلي، وبعد أن غلت المياه أسقط الاب الجزر وأنزل البيضة ووضع حبات القهوة المطحونة كلاً في إناء مختلف، وبعد وقت قليل أخرج الجزر من الإناء فكان رخواً وقد قهرته المياه المغلية بينما كان البيض قد صار أقسي عند محاولة إزالة قشرته، وأما حبات البن فقد غيرت شكل الماء وأحالتها لشكل ولون وطعم مختلف.
وهنا سألت البنت والدها ما دلالة ما فعلت يا والدي؟ فقال معلماً لها: يا ابنتي إن الجزر والبيض وحبات القهوة المطحونة قد واجهت خصم واحد، وهو المياه المغلية لكن كلاً منهم تفاعل معه بشكل مختلف، فقد كان الجزر قوياً وصلباً قبل أن يواجه خصمه، ولكنه ما لبث أن تراخى وضعف بعد تعرضه لمواجهة المياه المغلية، وأما البيضة فقد كانت قشرتها الخارجية تحمي ما تحتويه من مكونات داخلية، لكنها ما لبثت أن تصلبت عند تعرضها لحرارة المياه المغلية، وأما حبات القهوة المطحونة فقد كان ردة فعلها فريدة إذ إنها تمكنت من تغيير الماء نفسه، لذا يا ابنتي من ستكونين؟ هل ستصبحين جزرة أم بيضة أم حبة قهوة مطحونة؟ وأعلمي أن حل أي مشكلة يكمن في مواجهتها والتأقلم مع الحياة بحلوها ومرها.
وفي نهاية الصراع بين أفعالنا وقراراتنا الحياتية والشخصية مع قناعة اختيارنا فأني أجد أنه من الأصوب دوماً أن نختار أفعالنا وفق ضوابط محددة تحقق لنا رضا الذات مع تحمل مسئولية الإختيار، وفق قدراتنا ورغباتنا ومعتقداتنا فليس كل شيء حولنا يناسبنا لذا يجب أن نتنبه لما هو أصلح لنا، وبما تصلح به حياتنا وفق ضوابط العرف والعادات والتقاليد والقوانين ودون مراعاة للاختيارات القائمة علي أفكار ومقترحات غيرنا دون أن تمس فينا الرضا أو يتحقق من أثرها فائدة تدعم ذاتنا، ويظل البحث عن تقدير الذات مطلوب والحفاظ علي بقاء تقدير الاخرين لنا ولإختياراتنا مطلوب حتي يتحقق لنا التكيف مع الحياة، ويدوم لنا التعايش المتوازن بين السلام النفسي للفرد والرضا المجتمعي.