بين عمان والمدينة المنورة التقيت شبابا مصريا أقل ما يوصف به أنه شباب موهوب ذكي وطموح ووطني بل أن عشقهم للوطن يصل لحد الجنون ، هؤلاء قابلتهم وتحدثت لهم وتحدثوا لي في الأيام الاولي لرحلتي بين عمان والمدينة المنورة ، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، وبالرغم من البعد عن الوطن فقد يكون المصريون هم الشعب الوحيد في العالم الذي يزداد عشقهم لبلادهم كلما اغتربوا عنها، بل يخيل لي أن المصريين جميعا مصابون بمرض هوس حب الوطن Homesickness ، وهى حالة نفسية تصيب الشخص الذي يغادر وطنه أو عائلته لمدة من الزمن. فيشعر بالضيق النفسي، القلق، الاكتئاب، العصبية، الرغبة بالانعزال عن الناس، الحزن الشديد، و تكون هذه الحالة عبارة عن تفكير دائم بالأهل والأصدقاء. يصاحبها مزيج من الاكتئاب الحاد وعدم صفو المزاج والشرود الذهني التام. ومن المعروف أن تأثير هذه الحالة يختلف من شخص إلى آخر. حسب قوة تحمله أو حسب العوامل المحيطة بها. أو حسب عملية التعامل معها من قبل من يحس بهذا الشعور بمعنى هناك من يزيد اكتئابه إلى الأسوأ بكثرة البكاء فعلي خلاف شعوب أخرى منهم شعوب عربية مثل اللبناني والجزائري والمغربي والتونسي وحتي السوري الذي يسافر منهم الشاب للخارج فلا يرجع لوطنه إلا وهو يحمل جنسية دول أخري وقد لا يرجع، نجد المصري يسافر خارج مصر فقط ليحقق هدفا ثم يعود ولا يبحث وراء جنسية أخرى ولا يفكر في الهجرة الدائمة، مهما طال به الزمن في الغربة يعود، بل المفارقة أن معظم المصريين حتى وهم خارج مصر تجد على أجندتهم شراء مقبرة في مصر ليدفنوا فيها حتي لو ماتوا خارجها !
المسجد النبوي الشريف
بين المجاملات والصراحة أحاديث أسعدتني لكنها أوجعتني
بين عمان والمدينة المنورة التقيت بشباب أقل ما يقال عنه هو أنه أذكي وأفضل من جيلنا عشرات المرات، وبين أحاديث ثنايا أحاديث المجاملات التقليدية كانوا لا يتوقفون عن السؤال عن مصر وأحوالها، يتلهفون على سماع أخبار طيبة عن بلادهم ، كل واحد منهم يتمني لو أني أؤكد له أن بلاده بخير وأن ما ينشر عنها في وسائل الاعلام التي تصله غير صحيح، بعد قليل وجدت نفسي في حصار من الأسئلة بعضها عادي وأغلبها شائك ولكن جميعها محرج لنا جميعا، كنا نجلس في مؤسسة لا تتوقف عن استقبال عشرات الجنسيات على مدار الساعة، لاحظ أحدهم شعوري بالحرج، همس لي أن أطمئن فلا يوجد غير المصريين في هذا الوقت، قال لي ( خلينا نتكلم بصراحة مفيش حد كلنا مصريون ) الشاب الذي طمأنني لعدم وجود غير المصريين حولنا هو نفسه الذي كان هو نفسه من استقبلني في مطار المدينة المنورة تكلم بصراحة فأسعدني لكنه أوجعني !
بين العجز والحيرة وهوس حب الوطن المصريون في المسجد النبوي الشريف
في أيام قليلة التقيت شبابا يحملون وطنهم في قلوبهم، لكنهم حائرون وغاضبون، وبين العجز والحيرة والغضب لا يملكون إلا التساؤل، أشفقت عليهم وعلى نفسي ، ولك لحسن الحظ فإن هؤلاء الشباب مشغولون بلقمة العيش لدرجة تحميهم من السقوط في بئر عميق من الاكتئاب الذي يصيب مرضى هوس حب الوطن ، شكرتهم على حفاوة الاستقبال، ذهبت لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولساني لا يتوقف عن الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء، وبين مدخل الحرم النبوي الشريف وباحة المسجد النبوي الشريف وداخل المسجد كان المصريون هم الأكثر عددا من باقي الجنسيات، مصريون رجال ونساء يظهر من ملامحهم وملابسهم أنهم من البسطاء، لكنهم حرصوا على أن يدخروا لرحلة عمرة رمضان وزيارة النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم .