اعلان

في ذكرى محمد عمارة.. دعوة لمحبي وتلاميذ الراحل الكبير: راجعوا بعض ما كتبه يرحمكم الله

محمد عمارة
محمد عمارة

تقترب ذكرى رحيل المفكر الاسلامي الكبير محمد عمارة وهالني أني لم اكتب عن الرجل الذي تعلمنا من كتبه أكثر مما تعلمنا في الجامعات وهو على قيد الحياة، وكأن قدر الراحلين العظام ألا نعرف قيمتهم إلا بعد رحيلهم، في هذا اليوم مر بخيالي موقف حدث بلا ترتيب عندما كنت في مترو الأنفاق وشاهدت شاب صغير يحاول أن يحافظ على مظروف بيديه من أن يتعرض لسوء وسط الزحام، فرفع المظروف لأعلى لأقرأ عليه اسم المرسل له وهو الدكتور محمد عمارة، وظني أنه كان إصدار أو نشرة دورية ترسل للراحل من مؤسسة علمية، فهمست للشاب الذي يحمل المظروف بأن طلبت منه أن يبلغ تحياتي وسلامي للراحل الكبير، ثم انتهي حديث المترو في محطة السادات ولكن في ركن بعيد من عقلي قررت أن اكتب مقالا عن الرجل ولسوء الحظ لم يحالفني الوقت ولم تسمح لي الظروف بذلك إلا بعد وفاته ومع اقتراب ذكرى هذه الوفاة

محمد عمارة

محمد عمارة

دعوة لمحبي وتلاميذ محمد عمارة .. راجعوا بعض أعماله واحموا الرجل من سهام ناقديه

ووسط مشاغل الحياة كنت قدرا اعود لبعض ما كتب الرجل، ولكن بعض هذه الكتابات التي لا تزال منسوبة له تحتاج من محبيه ومن تلاميذه أن يراجعوها نيابة عنه او ان يوضحوا ما قصده الراحل أو موقفه من بعض هذه الكتابات في أواخر رحلته في مشواره الفكري الكبير، خاصة وأن الطبعات الاولى من بعض كتاباته لا تزال متداولة في الأسواق وظني أن فيها ما يستدعي إعادة نظر، وأن الراحل الكبير وهو منهمك في مشروعه الفكري الإسلامي لم يتلفت لضرورة مراجعه بعض ما كتبه، هو ما نرى معه ان المراجعات لمثل هذه الأفكار قد ترقى إلى أن تكون واجبا على تلاميذ الراحل إذا تبين لهم أنه قد تراجع عنها كلها أو بعضها، وإن لم يتراجع عنها فإن الرجل قد يكون هدفا مستمرا لسهام النقد من بعض ناقديه ، وما نرفعه من اقتراح في هذا السياق هو موجه لمحبي الرجل ومن باب الحرص على سيرته الطاهرة، وسوف اكتفي بأن اشير لبعض ما اظن أنه يحتاج لمراجعة على معايير المشروع الإسلامي الكبير الذي انخرط فيه عمارة طوال حياته بلا كلل ولا ملل، ولا أظن اني امتلك الأدوات لأصحح العلمية أو الشرعية لأطرح مراجعة من جانبي لما رأيت أنه يستحق المراجعة مما تركه محمد عمارة لنا من مشروع فكري وإسلامي عميق ، وهو المشروع الذي قال عنه محمد عمارة أنه مشروع يهد إلى تكوين عقلية علمية مرتبطة بأصولها الفكرية وتعيش العصر الذي نحن فيه.

رفع وصاية السماء عن البشر .. من كتاب الإسلام وقضايا العصر

ففي صحفة 15 من كتاب الإسلام وقضايا العصر يقول محمد عمارة : ( إن كون الشريعة الإسلامية هي خاتمة الشرائع السماوية البشرية، إنما يعني بلوغ البشرية سن الرشد، بما يعنيه سن الرشد من رفع وصاية السماء عن البشر فلم تعد صورة البشر هي صورة الخراف الضالة التي لا غنى لها عن النبي يتلوه النبي كي يصحح لها المسار ) والحقيقة أني لا افهم ماذا يعني عمارة برفع وصاية السماء عن البشر، وهى عبارة غامضة كل الغموض تستحق التوضيح. فإن ما افهمه ويفهمه كل مسلم هو أن خطبة الوادع التي تلى فيها النبى صلى الله عليه وسلم قول الله تعالي : ( : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )، هى الآية الكريمة التي تثبت اكتمال دين الله تعالى الذي ارتضاه الله للمسلمين وهو الإسلام، الذي تحول بعد أقل من عقد واحد من نزول هذه الآية لقوة هائلة تغزو بقاع الأرض حربا بالغزو والجهاد وسلما بالدعوة والتجارة .

الاجتهاد مع وجود نص شرعي قطعي الدلالة قطعي الثبوت.. من كتاب الإسلام والمستقبل

وحتى لا يظن البعض بي أنا أجتزأ عبارات أو جملات من بين سياقها في كتب الراحل فسوف ارود نصا كاملا كتبه محمد عمارة على صفحتين متتاليتين من كتاب من كتابه ( الاسلام والمستقبل ) ففي ص 31 و 32 من هذا الكتاب يقول محمد عمارة إن: ( إن التعميم والاطلاق في منع الاجتهاد عندما يوجد النص هو خطأ شائع حتى ولو كان النص قطعي الدلالة قطعي الثبوت! ذلك أننا يجب أن نميز بين موضوعات النصوص فإذا كان موضوعها عالم الغيب الذي علمناه عن طريق الوحي أو العقائد الأصلية في الدين أو الشعائر والمناسك والعبادات. وجميعها داخل في الدين الذي هو وضع إلهي نتلقاه من الوحي السماوي المودع في القرآن الكريم والذي قامت بتفصيله وتفسيره السنة النبوية التشريعية سواء منها ما كان بلاغاً عن الله سبحانه أو فتياً في الأمور الدينية.. إذا كانت هذه هي موضوعات النصوص وكانت هذه النصوص قطعية الدلالة قطعية الثبوت فلا مجال للاجتهاد مع وجود هذه النصوص والسبب في ذلك ليس حجراً إلهياً على العقل المسلم المجتهد ينتقص من مقامه الذي اهتم به الإسلام وإنما السبب في امتناع الاجتهاد في مثل هذه الحال هو أن هذه القضايا الدينية هي ثوابت لا تخضع للتغير أو التطور بالزمان أو المكان فحالها الذي تقرر لها في القرآن والسنة ثابت. ثم إنها من نوع القضايا التي لا يستقل العقل بإدراكها بذاته ولابد فيها من الوحي والنبوة. ودور العقل ومجاله وحدوده فيها لا يعدو الفهم وإلحاق الفروع بالأصول...... لكن هناك ميادين أخرى في الفكر الإسلامي لا نعتقد بصواب منع الاجتهاد فيها. حتى ولو كانت قد رويت في موضوعاتها نصوص قطعية الدلالة قطعية الثبوت فالأمور المتغيرة غير الثابته والمتعلقة بالمصالح الدنيوية وتنظيم المجتمعات والجماعات والأفراد والتي لا تتعلق بعالم الغيب الذي الله سبحانه به ذاته القدسيه والتي يمكن للعقل أن يستقل بإدراكها وإدراك حكمة تشريعها والتي يطرأ التغير على علتها وحكمتها مثل هذه الأمور المرتبطه بالواقع المتغير يجوز بل يجب معها الاجتهاد ولا يمنعه أو يمنع منه وجود النصوص والمأثورات المروية فيها ) !

شجاعة محمد عمارة في الاعتراف بالخطأ .. من كتاب مأزق المسيحية والعلمانية في أوروبا

ولعل دعوتنا لمراجعه بعض ما كتبه محمد عمارة تنطلق من شجاعة الراحل نفسه في الاعتراف بالخطأ ومبادرته وهى حي بمثل هذه المراجعات، وهو ما يفرض على تلاميذ الرجل ومحبيه أن يحذوا حذو استاذهم في تقديم المراجعات التي قد يكون هو نفسه قد توصل لها ولم تمهله الظروف للكتابة عنها، ومن أمثلة ما كتبه عمارة بنفسه من اعتراف بالخطأ ومراجعة لمواقف سابقة له ما كتبه في كتاب ' مأزق المسيحية والعلمانية في أوربا ' ( ص 5-14) : ( مع كل ذلك، فتجربتي مع الحوارات الدينية –وخاصة مع ممثلي النصرانية الغربية- تجربة سلبية، لا تبعث على رجاء آمال تُذكر من وراء هذه الحوارات التي تُقام لها الكثير من اللجان والمؤسسات، وتُعقد لها الكثير من المؤتمرات والندوات واللقاءات ، ويُنفق عليها الكثير من الأموال.وذلك أن كل هذه الحوارات التي دارت وتدور بين علماء الإسلام ومفكريه وبين ممثلي كنائس النصرانية الغربية، قد افتقدت ولا تزال مفتقدة لأول وأبسط وأهم شرط من شروط أي حوار من الحوارات ؛ وهو شرط الاعتراف المتبادل والقبول المشترك بين أطراف الحوار، فالحوار إنما يدور بين 'الذات' وبين 'الآخر'؛ ومن ثم بين 'الآخر' وبين 'الذات'، ففيه إرسال وفيه استقبال، على أمل التفاعل بين الطرفين، فإذا دار الحوار –كما هو حاله الآن- بين طرف يعترف بالآخر، وآخر لا يعترف بمن 'يحاوره'، كان حواراً مع 'الذات'، وليس مع 'الآخر'، ووقف عند 'الإرسال' دون 'الاستقبال'، ومن ثم يكون شبيهاً –في النتائج- بحوار الطرشان! موقف الآخرين من الإسلام والمسلمين هو موقف الإنكار، وعدم الاعتراف أو القبول، فلا الإسلام في عرفهم دين سماوي، ولا رسوله صادق في رسالته، ولا كتابه وحي من السماء، حتى لتصل المفارقة في عالم الإسلام إلى حيث تعترف الأكثرية المسلمة بالأقليات غير المسلمة، على حين لا تعترف الأقليات بالأغلبية )

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً