يوميات معتمر مصري في المدينة المنورة ( 5 ) في حضرة النبى صلى الله عليه وسلم

الروضة النبوية الشريفة-المسجد النبوي الشريف
الروضة النبوية الشريفة-المسجد النبوي الشريف

كانت الساعة تقترب من الثلاثة فجرا وأنا أحاول قطع المسافة بين مدخل الحرم المدني الشريف وبين الروضة الشريفة قبل أن يعتدل عقرب الساعة على تمام الثالثة، كانت الثالثة فجرا هو الموعد المخصص لي ضمن تصريح الصلاة في الروضة الشريفة ، قبلها كان يدور بذهني كيف سيكون الحال لو فاتني الموعد، كنت على شغف المثول في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم بكل جواري، كنت احمل للنبي صلى الله عليه وسلم السلام من كثيرين، قطعت الخطوات الباقية لأصل لبوابة الدخول للروضة الشريفة، كان الزحام حولي في الليلة العاشرة من شهر رمضان المبارك يقطع بالتأكيد أني لن أتمكن من الدخول في الموعد المحدد، اصطففت مع المئات بل مع الالاف من المشتاقين للنبي صلى الله عليه وسلم، نظرت من حولي فخجلت من نفسي، حولي شيوخ ونساء جاءوا من بقاع الأرض حول العالم، كلهم لا يعرفون من اللغة العربية سوي ما يؤدون به العبادات، لكن دموع الشوق ولهفة اللقاء التي تبدو على وجه كل شيخ فيهم وكل امرأة منهم تكشف حب أسطوري للنبي صلى الله عليه وسلم، حب أسطوري يحمله أناس لا يتكلمون العربية لنبي لم يروه أبدا، وهو حب لا يمكن أن يتحقق بدون أن يكون هذا الحب قد تحقق بقدرة إلهية، محبة لا يمكن أن يحصدها إلا نبى ، بلا خاتم الأنبياء.

الروضة النبوية الشريفة-المسجد النبوي الشريف

الروضة الشريفة

شارات وأعلام تختفي تحت صدور الساجدين

في حضرة النبي بالمدينة المشرفة في الروضة الشريفة بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم وبين قبره الشريف يصلي المسلمون القادمون من بقاع الأرض، رأيت القادمين من أوزبكستان والقادمين من العراق والقادمين من الجزائر ومن المغرب ومن أندونيسيا ومن الهند ومن غزة ومن نيجيريا ومن استراليا ومن فرنسا، شارة كل معتمر وعلم بلاده تدلان عليه، ولكن الجميع يركعون في خشوع، بين صدورهم التي تحمل الشارات والأعلام وبين الأرض الطاهرة التي يسجدون عليها في الروضة الشريفة تختفي الشارات، ويجمع بينهم الدعاء يرفعون وجوهم من السجود ثم يعاودون السجود تختلف لهجاتهم ولغاتهم في الدعاء، ولكنهم يبتغون هدفا واحدا هو الجنة ثم الجنة .

اللهم صلي علي محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم

ننتهي من الصلاة فنقوم لنمر على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، خليط غريب من المشاعر يهز من حولي، خليط من الرهبة والفرحة، الجميع يتسابق في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة الابراهيمية، تختلف اللغات واللهجات والصيغة واحدة، اللهم صلى على محمد وعلى أل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، يتتابع السير كل من يقف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم والألسنة تلهج بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

مهابة المكان والأرض المباركة هنا المدينة المنورة

نخرج من الروضة الشريفة ونحن نلهج بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي طريقي للخروج اشعر بالفرحة تغمرني، أتذكر أناسا اوصوني بالسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم، فأبلغ السلام قبل أن تنسيني مهابة الموضع توصيل الرسالة، اخرج من الحرم النبوي الشريف امشي خطوات وبرد لطيف يغمرني، امشي متكاسلا لا اريد الابتعاد سريعا عن الحرم النبوي الشريف، اقف على أعتاب الحرم، تمر سيارة اجرة وراء الأخرى وأنا انتظر كأني انتظر أن تعود عقارب الساعة للوراء مرة أخرى فادخل مجددا للحرم، اركب السيارة مع شاب مديني صغير ظني انه لم يصل للعشرين من عمره لا تفارق الابتسامة وجهه البريء، تنطلق السيارة وأنا افكر في هذه البقعة من الأرض، ثلاثة كيلو مترات فقط هي المساحة الأصلية للمدينة المنورة، ولكن في هذه الكيلو مترات حدث حراك غير العالم كله، ثلاثة كيلو مترات فقط في الأرض المباركة حراك غير تاريخ الإنسانية .

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً